من عهد الخلافة إلى البيعة
من عهد الخلافة إلى البيعة
ولما صارت الخلافة إلى أبي بكر الصديق كان أقرب الصحابة إليه بعد عمر (رضي الله عنه)، وكان عثمان كاتب وصية أبي بكر في لحظاته الأخيرة حيث كان يمليه أن تكون الولاية لعمر، وكان يغشى عليه ثم يفيق، فلما أفاق سأله عمن كتب فأجابه عثمان: “عمر”، فقال له أبو بكر: “بارك الله فيك، بأبي أنت وأمي لو كتبت نفسك كنت أهلًا لها”.
وركن عمر بن الخطاب إليه في المشورة وعمل بها في إحصاء الأعطية، وبدء السنة بشهر المحرم، وخطة العزل بين الإمامة والقيادة في ميادين القتال، فتهيأ له من التربية السياسية أكثر مما تهيأ لمن كان قبله.
ولما كان عمر (رضي الله عنه) يحتضر اختار جماعة للشورى على أن يجعلوا الخلافة لواحد منهم خلال ثلاثة أيام فكانوا من قال فيهم النبي إنهم من أهل الجنة، وهم علي وعثمان وعبد الرحمن وسعد بن الزبير وطلحة، وجعل الترجيح لعبد الله بن عمر، ثم لعبد الرحمن بن عوف، فما لبث عبد الرحمن الذي علم في قرارة نفسه أن الناس لن يرضوا عن أحد بعد أبي بكر وعمر أن تنازل عن فرصته ليكون حكمًا بين الجميع واجتهد وشاور حتى أعلن عثمان بن عفان خليفة للمسلمين.
ولما بايع أهل الشورى عثمان خرج فيهم وهو أشدهم كآبة مما أُلقي إليه من حمل، وأتى المنبر ليخطب في الناس فعظم عليه الموقف، ورُوي عنه أنه قال: “أيها الناس إن أول مركب صعب وإن بعد اليوم أيامًا وما كنا خطباء وسيعلمنا الله”، وعمل على تهدئة النفوس، والتحذير من فتنة الدنيا.
الفكرة من كتاب ذو النورين عثمان بن عفان
إن تاريخ العقيدة هو تاريخ قيم ومبادئ وليس تاريخ أحداث، فالأحداث ربما نجد ما يماثلها كثيرًا على مدى التاريخ، أما المختلف فهو بواعث تلك الأحداث، واللافت في سيرة عثمان (رضي الله عنه) أمرين؛ الأول أنها كانت مرحلة تحوُّل ما بين الخلافة الراشدة والملكية، والثاني هو قتله (رضي الله عنه) بوحشية بيد مسلمة لا دخيلة على الإسلام.
والخلاف ليس هو المستغرَب، إذ إن دور العقيدة ليس أن تبطل خلافًا أو تكفَّ نزاعًا، وإنما هي تترفَّع بالناس عن النزاع في ما لا يستحق، وليست هناك صدمة إن نحن نظرنا إلى الأمر من منظور القيم وأيقنَّا أن الحوادث لا بدَّ أن تقع، فهناك نزاع على محاسبة الإمام نفسه ورعيته ومحاسبة الرعية لإمامهم بعد زمن كان فيه زعماء القبائل يطغون ويتجبَّرون ويشرعون لأهوائهم ولا يكون فيه عزة أحدهم إلا بإذلال غيره.. يأخذنا العقاد عبر رحلة في سيرة عثمان (رضي الله عنه) الذي يصفه بأنه: “ذو النورين: نور اليقين ونور الأريحية والخلق الأمين”.
مؤلف كتاب ذو النورين عثمان بن عفان
عبَّاس محمود العقَّاد: أديب وشاعر وناقد أدبي، كما أنَّهُ فيلسوف وسياسي وصحفي، ومُؤرِّخ، ولد في مصر عام 1889م وتوفي عام 1964م، حاصل على الشهادة الابتدائية فقط، أحد مؤسسي مدرسة الديوان التي عُنيت بالنَّقد في العصر الحديث، كما أنشأ صالونًا أدبيًّا في بيته، كتب أكثر من ثمانين كتابًا بين الكتب الدينية الفكرية وكتب السير والكتب الأدبية والدواوين الشعرية، ومن أبرز مؤلفاته: سلسلة العبقريات، التفكير فريضة إسلامية، المرأة في القرآن، أفيون الشعوب، وديوان شعر “عابر سبيل”.