من سمات الخطاب المدني
من سمات الخطاب المدني
يعتقد كثير من غلاة المدنية أنهم أصحاب الفِكر والنظر والتجريد، فيعظمون كل معنى ذهني ويتحدثون عن لذة المعرفة ويجعلونها معيارًا لقبول الناس، أما معاني السلوك كالتزكية والكف عن الشهوات، فيعتبرونها قيمة شخصية لا يجب إقحامها في المجالس الثقافية.
وهذا كما وصف الكاتب: (وما ذاك إلا لأن غالب القوم أصحاب “نظر” لا أصحاب “عمل”، وأصحاب “ذهنيات” لا أصحاب “إرادات”) فاعتقدوا أن الكمال الإنساني يحدث بمجرد العلم والمعرفة، وأن أكمل العلوم هي العلوم العقلية والمدنية، وهذا عكس ما أقرّه القرآن، فأساس العلم في القرآن هو العمل بالعلم، وأكمل العلوم هي العلوم الإلهيّة وهي التي تتعلّق بمعرفة الله عز وجل.
لذا نجد محاولات عديدة من قبل الغلاة لربط الشعائر والشرائع بالحضارة والحياة المدنية في محاولة لتوظيفها للتكريس لأهميّة الشأن المدني، أو تعليلها تعليلًا ماديًّا يصب في المصلحة المدنية، فاستغرقوا في ربط الشعائر بعلل سلوكية محضة، أو ربط التشريعات بحكم اجتماعية محضة.
فركّزوا على “مقاصد” الشريعة دون التركيز على الوسائل والطرق المُحققة لهذه المقاصد طالما تصب في المصلحة المدنية، فهم يرون أن العبرة في الغايات لا في الوسائل، وهذه الرؤية تشكّلت حينما رأوا بعض المجتمعات غير المُسلمة تهتم بالشأن الاجتماعي وسياسة الإصلاح، وهذه الطريقة من أعظم أسباب توهين الانقياد لله عز وجل، واختزال الشريعة في مقاصد اجتماعية ومادية فحسب، فالإنسان لا يعبد الله للمصلحة الاجتماعية، ولكنه يعبد الله بما أمره.
وكذلك ما يتميّز به خطاب غلاة المدنية الوقوع في وهم المعرفة من خلال الخطاب الغامض، وسلطة الغموض هي ظاهرة تاريخية قديمة، فبعض القراء يُسلم للخطاب لظنّه أنه لا يفهم الخطاب فهذا يعني عبقرية الخطاب، أو أنهم يحاولون مشابهة الغرب في سلوكياتهم لكسب مكانتهم المدنية والمادية، وهي حالة نفسية جوهرها الداخلي نوع من العبودية الخفيّة.
الفكرة من كتاب مآلات الخطاب المدني
“رأيت إسلامًا بلا مُسلمين” هذه المقولة المعروفة التي تتردد كثيرًا على ألسنة عامة المسلمين، ما مدى صحّتها؟ وما الدوافع التي تشكّلت لتقريرها بين المجتمعات المُسلمة؟
إن الكثير من الخطابات المنتشرة بين عامّة المسلمين تحتاج إلى الوقوف على حقيقتها ومآلاتها، فقد تبدو في ظاهرها لا شيء عليها، إلا أن أصولها ترتكز على الكثير مما يناقض الوحي، وسبب عدم الشعور بذلك هو ضعف الرجوع إلى الوحي في تحكيم كل خطاب، وعدم الرجوع إلى الوحي في التشكيل الفكري.
لذا يأتي الكتاب في محاولة لتحليل وكشف “الخطاب المدني” ويُقصد به الخطاب المنهزم أمام الثقافة الغربية، الذي يحاول تفريغ الإسلام من مضامينه ليوافق هوى الثقافة الغربية، فيأتي الكتاب ليُحكّم هذا الخطاب إلى الوحي، مُبيّنًا كيف يتعارض هذا الخطاب مع أصول الوحي ومضامينه.
مؤلف كتاب مآلات الخطاب المدني
إبراهيم عمر السكران: باحث ومُفكِّر إسلامي سعودي الجنسية، درس في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن سنة واحدة، ثم تركها واتجه إلى كلية الشريعة في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، حصل على درجة الماجستير في السياسة الشرعية من المعهد العالي للقضاء، ثم حصل على درجة الماجستير في القانون التجاري الدولي في جامعة إسكس ببريطانيا.
من أبرز مؤلفاته:
سلطة الثقافة الغالبة، الماجريات، الطريق إلى القرآن.