من سفير قريش إلى الفاروق
من سفير قريش إلى الفاروق
هو أبو حفص، عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى، يمتد نسبه إلى عدي بن كعب، وُلِدَ قبل الفِجار الأعظم بأربع سنين لأمه حنتمة بنت هاشم بن المغيرة، ابنة عم عمرو بن هشام بن المغيرة (أبي جهل).
كان رجلًا أبيض، أصلع، ضخم البنية، جَهْوَرِيّ الصوت، فأصبح سفير قريش ومفاخرهم وهو لم يبلغ عقده الثالث،
وكان غليظًا قاسيًا، أنكر الإسلام كما أنكرته قريش، وبغض رسول الإسلام ﷺ كما بغضته قريش، وكان شديدًا على المسلمين حتى قيل: “لا يؤمن عمر حتى يؤمن حمار الخطاب!” يأسًا من إسلامه.
وفي شهر ذي الحجة من السنة السادسة من النبوة، لم يَدرِ ذلك القلب القاسي أن القرآن سوف يدك حصونه وبقوة، فقد أسمعه الله كلامه رغمًا عنه، واختلفت الروايات في ذلك، فقيل إنه خرج يعترض رسول الله ﷺ فسمعه يقرأ قوله ﷻ: ﴿إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ ۚ قَلِيلًا مَّا تُؤْمِنُونَ﴾ فوقع الإسلام في قلبه، وقيل إنه قرأ قوله ﷻ: ﴿إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي﴾ في بيت أخته فاطمة.
قد يختلف أصحاب السير في الآية التي كانت سببًا في إسلامه، لكنهم لا يختلفون أبدًا في أن عمر رجع بغير الوجه الذي ذهب به، فتوجه إلى دار الأرقم، وفي الدار حمزة الذي أسلم قبله بثلاثة أيام، وحمزة هو حمزة، أسد الله وعم رسول الله ﷺ وفارس من فرسان قريش، كادت أن تكون ليلة دامية حتى خرج رسول الله ﷺ وأخذ بمجامع ثيابه وقال: “مَا أَنْتَ بِمُنْتَهٍ يَا عُمَرُ؟”، فقال عمر: “أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَنَّكَ رَسُولُ اللهِ”، أسلم عمر!
أسلم عمر وهو ابن ست وعشرين سنة، وخرج المسلمون من دار الأرقم في صفين، عمر في أحدهما وحمزة في الآخر، ليبدأ فصل آخر من فصول الدين الجديد، الفصل الذي يحمل اسم عمر.
الفكرة من كتاب مناقب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه
عمر بن الخطاب -رضوان الله عليه- من كبار الصحابة، أسلم في بداية الدعوة، وهاجر مع رسول الله ﷺ وصحبه كظله، وبشره رسول الله ﷺ بالجنة في غير موضع، ومع ذلك لم يمنعه تاريخه الحافل من أن يأمن مكر الله، فصام الدهر وقام الليل وحمل همّ الأمة، وبكى من خشية الله حتى نحرت دموعه خديه.
مَنّ الله عليه بالخلافة، وفتح له من مشارق الأرض ومغاربها ما لم يُفتَح لنبيه ولا صدِّيقه، فعلم معنى أن يستخلفه الله في أرضه، فحكم بما أنزل الله وعدل، واجتهد وأصاب، وحمّل نفسه ما لا تطيق خشية السؤال، فكان يدخل يده في دبر البعير ويقول: “إني أخاف أن أُسأَلَ عمّا بك!”، وكان يأكل مما يأكل منه فقراء المسلمين وربما أقل، وكثير وكثير مما لا يتسع المقام لذكره، فالرجل أكبر من أن تحتويه دَفَّتا كتاب، وإنما هي تذكرة، فكما فرق الله به بين الحق والباطل في صدر الإسلام، لربما نتبع أثره فنفرق بين الحق والباطل في زمن مالت فيه شمس الإسلام إلى الغروب.
قد صنعه الله من طينة نقية وُجِدَت بكثرة في تلاميذ رسول الله ﷺ، ولا يعجزه أن يصنعنا، إلا أننا انفلتنا من طينتنا وادّعينا الاستغناء!
مؤلف كتاب مناقب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه
أبو الفرج الجوزي : وُلِدَ سنة خمسمئة وعشرة من الهجرة النبوية، ترعرع في مسجد محمد بن ناصر الحافظ في بغداد، وتفقه وسمع الحديث وحفظ الوعظ، ووعظ وهو ابن عشرين سنة أو دونها، وأقل ما اجتمع في مجلس وعظه عشرة آلاف، وربما اجتمع فيه مئة ألف منهم الخلفاء والوزراء والعلماء، وتُوُفِّيَ -رحمه الله- سنة خمسمئة وسبع وتسعين من الهجرة النبوية.
وله عديد من المصنفات منها:
زاد المسير.
الأحاديث الموضوعة.
العلل المتناهية في الأحاديث الواهية.
المنتظم في تواريخ الأمم من العرب والعجم في عشرين مجلد.