من دور الرعاية إلى المدرسة
من دور الرعاية إلى المدرسة
إن الطفل في مراحله الأولى عندما يتلقَّى الاهتمام من والديه، ينمو بداخله الشعور بالأمان والثقة، فيكون سويًّا من الناحية النفسية، ولكن عندما لا يلقى الاهتمام المطلوب فهو يتعرَّض للأذى النفسي وكأنه في داخله يتساءل: “أين الجميع؟ ولماذا أشعر بالسوء ولا ألقى المساعدة؟”.
هذا بالإضافة إلى أن تسهيل عملية اختيار الوالدين للعمل الخارجي وترك طفلهما يُنمِّي الفردية الذاتية، ويجعل الأسرة أكثر عُرضة للتفكك، فقد أظهر عدد من الإحصائيات أن الأطفال الصغار الذين قضوا وقتًا أطول في رعاية لا أمومية بدوا أقل ارتباطًا بأمهاتهم فيما بعد.
وقد كشفت عدة دراسات أن دور الرعاية تجعل الأطفال أكثر عدائية، وذلك لأن الطفل في مرحلة حياته الأولى يُريد إثبات الذات، فنلاحظ مثلا أنه يتحدَّث كثيرًا، ويجادل، ويبكي بصوت مرتفع، وبسبب عدد الأطفال الكبير يحاول الأطفال جميعهم لفت الانتباه، فقد يضربون، أو يرفسون، أو يدفعون، وغير ذلك من التصرفات حتى يُلتفَت إليهم، ويُدرَك هذا جيِّدًا حين يتم استيعاب أن الطفل في هذا العُمر يحتاج إلى العاطفة ولكن ما يلقاه حين يضعه أبواه في دور الرعاية خيبة أمل، فيشعر أنه دون حماية، وهذا ينمِّي بداخله شعور التبلُّد للحساسية الأخلاقية حين يكون بالغًا.
لذلك نسمع الكثير عن جرائم المراهقين في المدارس، وأشهرها القاتل المراهق في عام 2001 الذي أطلق النار بشكل عام في مدرسة كولومباين، وببتبُّع حياة هذا المُراهِق وُجد أن والديه مُطلَّقان منذ صغره وكان يعيش مع والده، وكان يُترَك وحده فترات كبيرة، فحين يُترك الأطفال والمراهقون وحدهم فترات طويلة يُسمح لهم بالكثير من الاستقلالية، والمزيد من الوقت الموحش، فهناك علاقة كبيرة بين هجر الوالدين والسلوك الوحشي.
الفكرة من كتاب وحيدًا في المنزل
الناظر إلى المجتمع الأمريكي يرى أن الأفراد قد نالوا الحرية في كل شيء، فصارت الخيارات الشخصية مُقدَّمة على غيرها، وقد يعتقد الكثير أنه “نعم” هذا هو المطلوب، وأنه أمر جيِّد، ولكن كانت هذه الحرية المفتوحة كابوسًا جديدًا على عدد كبير من أطفال أمريكا.
تأخذ الأم قرار العمل خارج المنزل، فتترك طفلها في أحد الحضانات أو دور الرعاية حتى ينتهي دوامها، وقد يبدو مشهدًا عاديًّا إذا ما نظرنا إلى قرار تلك الأم وحدها فقط، لكن ماذا عن تراكم ملايين القرارات المشابهة من عدد كبير من الأمهات؟ وما أثرها في الأطفال والمراهقين؟ وما أثرها في السلوك المجتمعي؟ فالكثير ينظر إلى مسألة عمل الأم أو غياب الأب بشكل قاصر على حالة فردية، لكنه ينسى الكارثة المجتمعية الحاصلة.
في هذا الكتاب تكشف لنا الكاتبة من خلال دراسات وإحصائيات وظواهر مجتمعية يعيشها المجتمع الأمريكي مدى أثر هذه القرارات، وكيف تأثَّر المجتمع الأمريكي بهذا الأسلوب في حياة الأسرة.
مؤلف كتاب وحيدًا في المنزل
ماري إبرستاد: باحثة وكاتبة أمريكية الجنسية، وهي زوجة وأم لأربعة أطفال، تعمل في منزلها باحثة لمؤسسة هوفر بجامعة ستانفورد، وهي أيضًا مستشارة تحرير “مجلة بوليسي” ريفيو، نُشر لها عدد من المقالات ومراجعات الكُتب في عدد من المجلات والصحف مثل “تايم”، و”وول ستريت جورنال”، و”ويكلي ستاندرد”.
من مؤلفاتها:
How the West Really Lost God: A New Theory of Secularization.
Primal Screams: How the Sexual Revolution Created Identity Politics.
معلومات عن المترجم
أسامة إسبر: سوري الجنسية، وُلِد عام 1963، وهو شاعر وصحفي ومترجم، صدر له مجموعات شعرية وقصصية، وترجم عددًا من الكُتب منها: “أحلام آينشتاين” لآلن لايتمان، و”نشأة النظام الأبوي” لغيردا ليرنر.