من جنوب أفريقيا إلى الجزائر
من جنوب أفريقيا إلى الجزائر
مارس البِيض في جنوب أفريقيا واحدة من أكثر صور الفصل العنصري فظاعة تجاه السكان الأصليين، بدأ الأمر منذ وصول المهاجرين الأوروبيين إلى البلاد قرابة العام 1652م، فكانت الجنسيات أغلبها من الإنجليز والهولنديين والفرنسيين والألمان، تعيش إلى جوار المختلطين عرقيًّا من أصول أوروبية وآسيوية، والسود أصحاب البلاد الأصليين.
ترجع جذور الفصل العنصري إلى خوف المهاجرين الأوروبيين من الابتلاع من طرف الشعوب المجاورة، أي أنها لم تحاول الاندماج في المجتمع الجديد -الذي استولت عليه بالقوة في كثير من الأحيان- إنما عملت على إخضاع هذا المحيط والتميُّز عنه باعتبارها منتمية إلى حضارة متقدمة بعكس السود أبناء العالم الثالث، ولم يخلُ الأمر من جذور دينية تعود إلى (الكلفانية)، وهي نظرية تقرر أن الله يختار نخبة مصطفاة من البشر يديرون العالم، وعلى العامَّة غير المصطفاة اتباع السيد والخضوع له، وبناءً على هذين التصورين شُرِّعت مئات القوانين التي تفصل بين البيض والسكان الأصليين وتميز بينهم في أماكن السكن والمواصلات والمدارس والعمل.
في الدولة الأفريقية الأخرى (الجزائر) التي عانت الاحتلال الفرنسي لعشرات السنين، وضعت فرنسا حزمة من القوانين التي تميِّز بين الرعايا الفرنسيين والجزائريين سكان البلاد الأصليين، ابتداءً من العام 1834م شملت الضرائب، وحظر التجوال، ومنع السفر دون تصريح، وعدم المشاركة في الحياة السياسية، والتضييق على المسلمين، والعمالة الجبرية في مشاريع المستعمر، وحتى عندما ألغت فرنسا قانون العبودية في مستعمراتها -ولو بشكل ظاهري- تم استثناء الجزائر واعتبارها ولاية فرنسية وليست مستعمرة.
جدير بالذكر أن نظام الفصل العنصري في الجزائر كان بمباركة مفكري الأنوار الفرنسيين، أمثال “توكوفيل” و”شولخر”، وأشدهم في ذلك كان “بوفون” الذي اعتبر العرب قومًا يعيشون دون قواعد ودون مجتمع تقريبًا، وأنه من الواجب تحضيرهم وفلاحة أرضهم المهجورة، ولم يكن “بوفون” يعترف بوجود أي عرق آخر من غير العرق الأبيض.
الفكرة من كتاب الأبارتهايد.. دراسة في الجذور التاريخية والثقافية لمفهوم الفصل العنصري
يحاول المؤلف في هذا الكتاب فهم مصطلح “الأبارتهايد” في سياق علاقة الكولونيالية الأوروبية والأمريكية مع البلدان المستعمرة ولا سيما في أفريقيا، كما يبين الخلفية الأيديولوجية للعنصرية الغربية وطريقة اشتغالها وارتباطها الوثيق بالحركات الاستعمارية لتصبح أطروحة الأبارتهايد أداة سياسية لإدارة المستعمرات.
مؤلف كتاب الأبارتهايد.. دراسة في الجذور التاريخية والثقافية لمفهوم الفصل العنصري
الدكتور حميد لشهب كاتب ومترجم مغربي، حصل على درجة دكتوراه قسم الفلسفة من جامعة ستراسبورغ الفرنسية سنة 1993، وحصل كأول باحث عربي على الجائزة العالمية “إريك فروم” لسنة 2004، له دراسات ومقالات عديدة في الميدان الفلسفي والسيكولوجي والسياسي