من الهِند وإليها
من الهِند وإليها
لقد كانت الحياة في الهند مدهشةً ومليئة بالمغامرات، على الرغم من كونها حياةً تتسم بالفقر والحاجة، وسيطرة الأمراض الاستوائية، إلا إن بها حياةً مفعمة بالحياة!
أُتيحت الفرصة للدكتور براند في معاينة دروس الأحياء بشكلٍ عملي، وكذلك في معاينة الألم بتفاصيله العميقة، وتكوين فلسفته الخاصة تجاهه بطريقة مغايرةٍ تمامًا عن النظرة السائدة للفظ الألم من الحياة حتى يُفتح الطريق للسعادة الذاتية، فقد كان يقرأ ليلًا تحت ضوء برطمانٍ ممتلئٍ باليراعات المضيئة، وكانت الحيوانات الاستوائية تحوم حول المنزل على الدوام، وكان الألم هو الباعث الحقيقي للحذر في حياته الناشئة هُناك، تعلَّم تكنيكات الحفاظ على النفس، ودفع السموم، ومجابهة الحمى والأمراض الهاجمة بين الفينة والأخرى، هذا الألم الذي دفعه بشكلٍ لافتٍ ومختلف إلى التوصُّل إلى الحكمة والعدالة الإلهية في وجوده في عالم الطبيعة؛ فالنباتات تستخدم الشوك دفعًا للبقر الجائع من التهامها، وتستخدم الأفاعي السم في إبعاد الساعين للأذى، فهذا الألم ما هو إلا طريقة دفاعٍ مشروعة للكائنات الحية.
للألم قدرة عظيمة للهيمنة على الحياة، ففي لحظة المرض لا تكون الإشارات التي تُرسل مجرد تحذير للمريض وحده، بل إن الضغط الذي يولِّده نتيجة هذه الهيمنة بمثابة نداء للمجتمع من الفرد رغبةً في العون والمساندة، والجانب الآخر الذي تشكَّل بفعل الحرية في الهند هو أن الدكتور براند كان طالبًا صعب المراس، مُتطلِّعًا إلى الحياة الخارجية محبًّا للطبيعة، حتى أنه لِيجعل من الحياة في لندن أمرًا ممكنًا قام بتربية الطيور، والحيوانات، وبنى منظارًا راصدًا بدائيًّا في سقف منزل العائلة، وما كان من المتوقَّع في حاله هذه من الالتحاق بركب الأطباء، أو السعي وراء التفسير للتكوين الطبيعي للألم، غير أن هذا التحوُّل للمسار جاء نتيجة لاكتشافه الوفاق بين الطب وحس الدهشة الداخلي عنده تجاه الطبيعة والتكوين الفطري، حتى أن اكتشافه لشغفه وتعزيز إيمانه بأهمية الجراحة، لدرجة أنه شعر أنها الطريقة الحقيقية ذات الأثر في تقديم المساعدة للمرضى، كان محض صدفة أثناء تدريبه في مادة التشريح.
الفكرة من كتاب هبة الألم: لماذا نُعذَّب وما موقفنا من ذلك؟
هذا الكتاب بمثابة مذكرات شخصية للدكتور بول براند في رحلته التي تنقَّل فيها بين أعماق الفقر إلى أقصى أنواع الرفاه، وبين أحوال المجذومين في الهند، وأحوالهم في الولايات المتحدة، وقد حاول على طول هذه الرحلة الإجابة عن أسئلته المتعلقة بالألم، وفلسفته، وأثر غيابه في نفس الإنسان في مقابل غيابه من جسده.
مؤلف كتاب هبة الألم: لماذا نُعذَّب وما موقفنا من ذلك؟
بول براند: طبيب جرَّاح وُلِد في واشنطن بالولايات المتحدة الأمريكية عام 1914م لأبوين تبشيريين بالديانة المسيحية، وقد كان من أهم الجرَّاحين المُساهمين في العلاج الجذري من مرض الجُذام الذي كان من أصعب الأمراض في ذلك العصر، نشأ في الهند مع أبويه ثم انتقل إلى إنجلترا لاستكمال دراسته، ثم عاد إلى الهند مجدَّدًا بعد أن أصبح جرَّاحًا، وأنشأ مشفى لعلاج مرضى الجُذام هناك، ثم عاد إلى الولايات المتحدة بعد 19 عامًا من العمل في الهند، وتوفِّيَ عام 2003م عن عمر يناهز الثامنة والثمانين، وله من الكُتب: “الموسم الأبدي”، واشترك مع فيليب يانسي في كتاب: “في صورته”، و”صُنع بعجب وتفوُّق”.