من النماذج إلى الواقع.. الموضة كعامل اقتصادي
من النماذج إلى الواقع.. الموضة كعامل اقتصادي
يبدو أن طفولة معظم الاقتصاديين كانت متشابهة، فألفريد مارشال لم يختلف كثيرًا عن جون في سنواته الأولى، إذ بدأت حياة مارشال مملوءة بدروس اللغة والعقيدة، وبدأ نشاطه الاقتصادي في فترة كان المجتمع العلمي فيها يخرج من عباءة فلسفة نيوتن ليحتضن الفلسفة الداروينية ومنهجها التطوُّري، واهتم مارشال بعملية العرض والطلب وحاول وضع نظرية محدَّدة تصف حركتهما وتأثير المنتجين والمستهلكين فيهما، وطبَّق مارشال نظرية داروين على الاقتصاد، ولاحظ أن التغيرات والانقلابات المتطرفة غير موجودة هنا، بل ما يحدث وراء الستار، أن المنتج والمستهلك يحاولان التكيف مع الوضع القائم تدريجيًّا، وعلى هذا طبَّق مارشال النظرية الحدية على عملية العرض والطلب، حيث لا يقوم أحد الطرفين بالتحكُّم في سعر المنتَج، فبالنسبة للمستهلك سيحدِّد رغبته في الشراء على حسب المتعة الإضافية التي سيختبرها، والمنتج سيستمر في الإنتاج والعرض بناء على الربح الذي سيعود إليه، ومن تقاطع رغبة الطرفين يتم تحديد السعر، وبهذا القانون أرسى مارشال عامل “المرونة” كصفة مهمة لعمليات العرض والطلب، وهو مسمى آخر لطبيعة رد فعل المستهلكين تجاه ارتفاع سعر منتج ما أو انخفاضه، ولكن هل المنفعة الحدية هي التي تتحكَّم فقط في رغبة الشراء وتؤثر في توازن العرض والطلب؟ هل كان مارشال محقًّا؟
نحت نظرية مارشال الكثير من العوامل، وثبتت المتعة والمنفعة كعامل أساسي يتحكَّم في العرض والطلب، وهاجم ثورشتاين فيلبين هذا المنحى الذي يفترض أن للبشر رد فعل ثابتًا كالآلات، وتتخذ قراراتها دائمًا بناءً على نتيجة قياس المنفعة والسعر، وضَّح فيلبين أن البشر ليسوا كيانات مستقلة كما تفترضهم النماذج الاقتصادية، بل في معظم الأحيان يقرِّر الناس الشراء كتقليد للمجتمع من حولهم، بل إن بعض المنتجات تكتسب هويتها التسويقية من الفئة التي تستهدفها، وبذلك تتحكَّم تيارات الموضة والواجهة الاجتماعية في عملية العرض والطلب بالكامل، وسمى فيلبين هذه الظاهرة بالاستهلاك الاستعراضي، وبذلك وضع نفسه كعدو لرجال الأعمال، حيث يرى أن الشركات ورجال الأعمال يشجِّعون ويربحون من هذه الظاهرة، وهم بذلك يحاربون المبدعين الذين لا يهتمون بالرواج بقدر ما يهمهم التطوير والابتكار، ولم يستطع فيلبين أيضًا مقاومة فضول المستقبل، فتنبَّأ أن سيطرة رجال الأعمال على الإنتاج ستسبَّب في زيادة الاستهلاك الاستعراضي، وتحفِّز غريزة المحاكاة التي ستحكم على الاقتصاد بالتدهور عاجلًا أو آجلًا.
الفكرة من كتاب أفكار جديدة من اقتصاديين راحلين: مدخل للفكر الاقتصادي الحديث
شهدت العقود الماضية، منذ انهيار سور برلين والتفكُّك السلمي لدول الاتحاد السوفييتي، مفاجآت مدهشة متتابعة لعلماء الاقتصاد حينها، فطالما نظر الاقتصاديون التقليديون إلى الموارد الطبيعية باعتبارها المؤشر الرئيس للثروة والضامن الحقيقي للازدهار وزيادة ثروة الأمم، لكن التاريخ الحديث أثبت بالقطع فشل هذا المنظور، وتم التصديق على فشل النظرية الروسية في الاقتصاد، واقتنع الصينيون أخيرًا بهذا، وبدأت الصين نهضتها بدراسة مناهج الاقتصاد من هارفارد، وتوجَّهت بعض الأعين ناحية اليابان التي بدت كالقوة الاقتصادية الأكثر هيمنة في الثمانينيات، لكن هذا التفوُّق لم يُنتِج أي ابتكارات حقيقية تضمن لليابان السيطرة في المستقبل، فلماذا لم تستطِع روسيا أو اليابان وأمثالهم البقاء كرواد للاقتصاد العالمي؟ هذا وأكثر ما سيخبرنا به الاقتصاديون العظام.
مؤلف كتاب أفكار جديدة من اقتصاديين راحلين: مدخل للفكر الاقتصادي الحديث
تود جي باكولز: اقتصادي ومؤلف شهير، درس باكولز في جامعة هارفارد، وحصل على درجة علمية من جامعتي كامبريدج وهارفارد، وعمل مديرًا للسياسة الاقتصادية في البيت الأبيض، وكتب في العديد من الصحف الشهيرة مثل “نيويورك تايمز”، و”وول ستريت جورنال”، ومن مؤلفاته:
أفكار جديدة من مدراء راحلين.
ثمن الرخاء.
معلومات عن المترجمين:
كوثر محمود محمد: درست في كلية الألسن قسم اللغة الإنجليزية، وتخرجت عام 2008م لتعمل مترجمة في مؤسسة هنداوي، وترجمت العديد من الأعمال المتنوعة، مثل: مغامرات هاكلبيري فين لمارك توين، وفي قلب مصر لجون باردلي.
حسين التلاوي: مترجم حر، وعمل سابقًا في مؤسسة هنداوي كذلك.