من اللوم إلى الإصلاح
من اللوم إلى الإصلاح
قام أحد الأطفال المشاغبين بسرقة سيارة والده وقيادتها، ما أدى إلى تحطُّم السيارة، وتخريب بعض ممتلكات الجيران إذ حطم سور حديقتهم وبعض تحف الزينة، وقام الجيران بالشكوى، وبناءً على ذلك تم عقد جلسة تصالح، وخلال الجلسة ناقش الجميع كم أن الممتلكات التي تم تحطيمها كانت ذات أهمية كبرى لهم، وكانت ردة فعل الطفل مفاجئة إذ بكى وأظهر ندمه، كما طلب السماح من الجميع، ووعدهم بالإقلاع عن فعل مثل تلك الأفعال المشاغبة مجددًا، وهنا يظهر كيف أن عدم إلقاء اللوم والاتجاه إلى طريقة لإصلاح الخطأ يُعطي نتائج فعالة.
وشكَّلت فاعلية تطبيق مفهوم العدالة الإصلاحية مصدر إلهام كبير استمد منهم مصلحو نظام العدالة الاجتماعية حلولهم البديلة، لأن لأنظمة العدالة القائمة على أسلوب اللوم والعقاب شوائب عديدة لا يستهان بها، فهي لا تضمن إحساس المذنبين بالذنب، كما أنها لا تنجح بالضرورة في منع تكرار الأذى. والعدالة الإصلاحية تمثل بديلًا لأسلُوب اللوم والعقاب، ففي هذه الحالة يُلام المذنب حتمًا ولكن لا يكون العقاب هو الهدف الرئيس من لومه.
وعلى الرغم من الصعوبات التي تواجه العدالة الجنائية الإصلاحية كأن لا يعتذر الجاني بصدق ولا يُظهر تأثره الواضح بفعلته، ولكن لا ينبغي أن نغض الطرف عن الإنجازات الإيجابية التي قدمتها، إذ تُثبت الأدلة أنه مقارنة بالعدالة التقليدية، تدنَّت نسبة الجرائم المتكررة على يد المدنيين، كما انخفضت أعداد الضحايا التي ترغب بالانتقام وإلقاء اللوم، وتساعد العدالة الإصلاحية على الشفاء من الصدمات والجروح النفسية.
وتعد المسامحة عنصرًا رئيسًا لتحقيق العدالة الإصلاحية، إذ إنها تعني التخلي عن الرغبة في إلقاء اللوم والعفو عن الأخطاء، وتشير إلى أن من شأن المسامحة بعد الندم أو طلب التعاطف، أن تحرِّر الضحايا، وتعزِّز من ثقتهم بأنفسهم، كما تزيد من احتمال تمتُّعهم بالسعادة والصحة الجيدة، وهناك بعض الحالات تكون المسامحة فيها مستحيلة، حيث يكون ذنب الجناة لا يُغتفر ولا يمكن التغاضي عنه، ويفكر حينها الضحايا في أنه لا يمكن لمن حرم الآخرين حريتهم أن ينعم بالسلام.
الفكرة من كتاب صناعة اللَّوم.. المساءلة ما بين الاستخدام وسوء الاستخدام
عندما يحدث خطأ ما في حياتنا يكون رد فعلنا الأول والطبيعي هو البحث عن شخص نُلقي عليه اللوم، إذ يُشكِّل اللوم جزءًا كبيرًا من حياتنا، فهو وسيلة لتحديد موقفنا، كما يتشكَّل كثير من فهمنا للوم من الأخبار، لأنه هو ما يصنع الأخبار، ويُتيح ترويجها وبيعها، واللوم مهم لأنه على ما يبدو يفسر بعض الأمور مثل “لماذا هناك بطالة؟”، فتكون الإجابة: “خطأ الحكومة التي جعلت الأجانب يُسيطرون على الوظائف”، إذًا اللوم هو وسيلة سريعة لإيصال المقصود عندما نَشعر بتهديد ما، وهو لغة الاتهام والدفاع عن النفس، لكن لماذا اكتسب اللوم هذا القدر من الأهمية في العديد من المجالات؟ وما عواقبه؟ هذا ما سنتعرَّف عليه في السطور القادمة.
مؤلف كتاب صناعة اللَّوم.. المساءلة ما بين الاستخدام وسوء الاستخدام
ستيفَن فاينمان: حصل على ماجستير في علم النفس المهني عام 1969، ثم حصل على الدكتوراه من جامعة شيفيلد عام 1974، عَمل أستاذًا جامعيًّا للدراسات التنظيمية في كلية الإدارة بجامعة باث في المملكة المتحدة، واهتم بالكتابة في مجال التنظيم السلوكي، والنظريات التنظيمية النقدية، ونشر العديد من الكتب والدراسات المعنية بشكل مباشر أو غير مباشر بعالم العمل والعدالة الاجتماعية.
ومن أهم أعماله:
العمل.. مقدمة قصيرة جدًّا.
Understanding Emotion at Work.
معلومات عن المترجم:
ماهر الجنيدي: وُلد عام 1961 في حمص بسوريا، وهو كاتب وصحفي ومترجم من أصل سوري يقيم في دبي بالإمارات العربية المتحدة، شغل منصب مدير تحرير “مجلة PC Magazine- الطبعة العربية”، ورئيس تحرير مجلة “إنترنت العالم العربي”، ومدير محتويات بوابة “عجيب”، وكذلك أشرف على ترجمة “فوربس” العربية.
ومن أهم ترجماته:
فن الحرب.
في مديح البطء.