من الثأر إلى الأجر
من الثأر إلى الأجر
إنَّ الدخول في الدين الإسلامي يمحو ماكان قبله كأن لم يكن يومًا، حتى وإن كان ما قبله أن مثَّلتَ بأجساد المسلمين أو اقتلعتَ كبد الصحابي ومضغته ثم لفظته!
هذا هو الموقف الذي اشتهرت به هند بنت عتبة قبل أن تسلم، فهي التي حرَّضت وحشيًّا على قتل حمزة والتمثيل به ثأرًا لمقتل والدها وعمها وأخيها، ووعدته بأن تعتقه وتعطيه حريته إن فعل، وهي من الذين أهدر النبي الكريم (صلى الله عليه وسلم) دمهم، وهي زوجة أبي سفيان مَن عادى النبي وآذى المسلمين قبل أن يسلم، ولكن الهدى هدى الله يهدي من يشاء، فأصلح حالها وحال زوجها وشرح صدرهم للإسلام ليتبدَّل حالهم تمامًا.
كانت من نساء العرب صاحبات المكانة والشرف والشهرة قبل الإسلام وبعده، والدها سيد من سادات قريش، كانت حسناء جميلة، ذات رأي وفصاحة وعقل راجح، ومن ذلك أنها قد تزوجت رجلًا عانت من سوء رأيه الكثير فافترقا فأثَّر ذلك في حياتها وتفكيرها، وقالت لأبيها: “إني امرأة ملكت أمري فلا تزوِّجني رجلًا حتى تعرضه عليَّ”، فلما تقدم لخطبتها رجلان أحدهما أبو سفيان اختارت أبا سفيان من مجرد وصف والدها للرجلين بغير أن يذكر لها اسمًا، فرجحت بينهما بعد أن أعملت عقلها.
كانت شاعرة فصيحة، برعت في الرثاء والهجاء، وتتنافس هي والخنساء في ميدان الشعر، وكانت تخرج قبل إسلامها مع جيوش المشركين تحرِّضهم على قتال المسلمين فتقول:
نحنُ بناتُ طارِقْ … نمشي على النمارِقْ
إن تُقبِلوا نُعانِقْ … أو تُدبِروا نُفارِقْ
فِراقَ غيرِ وامِقْ
أسلمت بعد إسلام زوجها أبي سفيان يوم فتح مكة، وبعد أن كانت تحرِّض المشركين أصبحت تحرِّض المسلمين وتخرج مع زوجها في الجهاد، فخرجت في معركة اليرموك تقول: “عاجلوهم بسيوفكم يا معشر المسلمين”.
ملمح آخر من حياتها هو حالها كأم لمعاوية بن أبي سفيان (رضي الله عنه)، حيث كانت تربيه وتعده وترى له شأنًا لا يراه غيرها وقد كان، وهي صاحبة الرواية المشهورة حين قالوا لها: إن عاش معاوية ساد قومه، فقالت: ثكلته إن لم يسُد إلا قومه، فكان خليفة المسلمين، وكانت تقول عن ابنها:
إن ابني معرَّقٌ كريم … محبَّبٌ في أهلهِ حليم
ليس بفحَّاشٍ ولا لئيم … ولا بطخرورٍ ولا سؤوم
صخرُ بني فهرٍ به زعيم … لا يخلفُ الظنَّ ولا يخيم
الفكرة من كتاب من شهيرات النساء
جاهلٌ من اتهم التاريخ العربي والإسلامي بخلوه من النماذج النسائية الباهرة والمتميزة، وفي هذا الكتاب يطوِّف بنا مؤلفه على سير بعض النساء اللاتي عدَّهن من شهيرات النساء قديمًا وحتى فترة قريبة معاصرة.
مؤلف كتاب من شهيرات النساء
سامي عبد الرحمن قباجة: من المهتمين بالكتابة في القصص والسير، وله عدة مؤلفات منها:
من قصص الصالحين.
أقوال وحكم من درر السلف.