من أين يأتي المال؟
من أين يأتي المال؟
منذ آلاف السنين كان الأفراد في أي مجتمع يتعاملون فيما بينهم بيعًا وشراءً عبر تبادل السلع بعضها وبعض، فإذا أردت بعض الجبن عليك أن تبادله بسلعة أخرى كالبيض مثلًا، وهذا ما يعرف بنظام المقايضة، وقد تطور الأمر شيئًا وبدأ الاتجاه إلى استخدام المنتجات ذات القيمة المستقرة نسبيًّا كوسائل للدفع، واشتهرت السجائر في أوروبا كمثال على هذا الاتجاه، ومع تزايد النشاط الاقتصادي بدأت تظهر عيوب المقايضة، من إمكانية تلف السلع المستخدمة للدفع، فضلًا عن صعوبة تخزينها وتذبذب قيمتها السوقية وعدم قابليتها في كثير من الأحيان للتجزئة.
ومع التطور المجتمعي ومحاولات هنا وهناك استقرت المجتمعات أخيرًا على التعامل بالقطع الذهبية، فهي مخزن للقيمة وتتمتع بقبول عالمي كما يمكن تجزئتها والاحتفاظ بها، ومع تطور النشاط الاقتصادي عمدت بعض الدول إلى إصدار عملتها الورقية الخاصة لكنها ربطتها مباشرةً بمقدار معين من الذهب للحفاظ على قيمتها، وبعد الحرب العالمية الثانية تم تعديل هذا الأمر ببعض المكر، حيث تم ربط عملات الدول بالدولار الأمريكي ومن ثمَّ ربط الدولار بمعيار محدد من الذهب، وبما أن شن الحروب يصبح صعبًا عندما تكون الدول مقيدة في طبع المزيد من النقود، تخلَّت أمريكا عن الالتزام بهذا الاتفاق نتيجة حرب فيتنام فيما عُرف بعد ذلك بصدمة نيكسون.
ومع تعاظم دور القطاع المصرفي وسعيًا لكسب المزيد من الربح تلجأ المصارف اليوم إلى خلق النقود من العدم وبصورة ائتمانية معقدة يصعب فهمها على الكثيرين، وهذا ليس بالضرورة أمرًا سلبيًّا، فلو أدرك العامة آلية عمل النظام المالي قد ينهار هذا النظام بين عشية وضحاها، حيث تُقرض المصارف أضعاف ما تتلقَّاه من ودائع، وتعتمد في ذلك على اختلاف أجَل استحقاق تلك الأموال، كما أن الأفراد عادةً ما يفضلون ترك أموالهم مودعة في البنوك، ولكن إن حدث وطلب المودعون أموالهم دفعة واحدة حينئذٍ تقع الكارثة!
الفكرة من كتاب الانهيار الكبير: حروب الذهب ونهاية النظام المالي العالمي
اللعبة ستنتهي يومًا ما، الكل يعلم تلك الحقيقة مسبقًا ولكن مع ذلك يستمرون في اللعب! فالأوراق البنكية التي نتعامل بها اليوم بيعًا وشراءً ليست من المال في شيء، فما هي إلا مجرد لعبة تم إجبار العالم على اللعب وفقًا لقواعدها، ومما ساعد على استمرارها حتى وقت قراءتك لتلك الكلمات هو أن فئة قليلة من المهتمين بالشأن المالي هم من يعرفون الحقيقة، ولكي تعرف ما أرمي إليه بعد تلك المقدمة فهيا لأحكي لك الحكاية من بدايتها.
مؤلف كتاب الانهيار الكبير: حروب الذهب ونهاية النظام المالي العالمي
ويليم ميدلكوب : هو رجل أعمال ومعلِّق سابق في سوق الأوراق المالية، وُلِد في أغسطس عام 1962م في سويسرا لأبوين هولنديين، وتعلَّم صناعة الملابس في أمستردام وعمل بين عامي 1980 و2000 مصورًا صحفيًّا، وبين عامي 1998 و2000 كان رئيس تحرير الصور في جريدة محلية، بالإضافة إلى ذلك عمل ميدلكوب لفترة وجيزة كمراسل في عام 1991 أثناء بدء قناة مدينة أمستردام AT5، وبدأ بعد ذلك رحلة استثمار في العقارات، كما أسَّس متجرًا للراغبين بالاستثمار في الذهب، وهو أيضًا عضو المجلس الاستشاري لمركز الأبحاث الاقتصادي بلندن.
له العديد من المؤلفات، ومنها: “عندما ينخفض الدولار”، و”أزمة النفط الدائمة”، و”النجاة من أزمة الائتمان”.
معلومات عن المترجم:
ابتسام محمد الخضراء: قامت بترجمة العديد من الأعمال، ومنها “الانهيار الكبير”، و”السعادة: مقدمة مختصرة جدًّا”، و”السببية: مقدمة شديدة الاختصار”.