منظومة القيم والمعتقدات
منظومة القيم والمعتقدات
لا يزال هذا الصراع الأبدي بين المادة والروح قائمًا على أشده، ورغم تقدم العلوم في جميع مناحي الحياة فلم تستطع بحال أن تسد جميع الاحتياجات البشرية، فالبشر جوعى الأرواح، والإنسان ليس جمادًا أو مادة فقط بل هو جسد وروح في آن واحد، وليس للعلم أن يتصادم مع منظومة القيم والمعتقدات، فلكلٍّ منهما طريقه الخاص غير المتقاطع مع الآخر، لا سيما أن العلم يقوم على الشك والتساؤل والتجربة، ومن ثم التغيُّر والانتقال من حال إلى حال، أما القيم والمعتقدات فتجنح إلى الإذعان والتسليم والقبول، ومن ثم إلى الثبات والاستقرار.
وقد بلغ صلف التقدم العلمي أن أوحى لنا بشعور وهمي أن الكون خاضع لإرادتنا الذاتية، وأن التكنولوجيا اليوم أضحت بمثابة صولجان القوة الذي يقبع تحت سيطرتنا وطوع أيدينا، ويا له من وهم كاذب ينطوي على جهل مركَّب! حيث أصبحنا اليوم أسرى للأغلال التكنولوجية الجديدة، ودفعت بنا إلى عالم من الاحتمالات والتوقُّعات والخواء الروحي وأبعد ما يكون عن اليقين، فارتكبت البشرية بذلك جميع الخطايا من تجارة بلا أخلاق وسياسة بلا مبادئ وتعليم بلا تربية.
ورغم أن الثورة على الكنيسة إبان العصور الوسطى قد انتهت بانتصار العلوم وتقهقر الدين بعيدًا عن مناحي الحياة ليستقر في الأديرة والكنائس ودور العبادات، فإن العصر التكنولوجي اليوم بات يشهد طلبًا متزايدًا على القيم الأخلاقية مؤمِّلًا الحماية من نير تلك الحياة المتسارعة والجامدة، وأصبح لزامًا على العلماء اليوم أن يتريثوا قليلًا لمشاهدة الاستخدام غير الأخلاقي لنتائج أفكارهم، وبخاصةٍ أن التكنولوجيا اليوم اقتربت كثيرًا من تلك المنطقة الحميمية في عقل الإنسان وخلاياه الداخلية، بل ودواخل نفسه اللاشعورية، وأصبحت الآن تطرح ما يمكن وصفه بإعادة تعريف بعض المفاهيم كالخصوصية والحرية والمساواة والعدل، وهذا ربما يفسر بعض أسباب الصحوة الدينية اليوم التي يشهدها العالم أجمع في أفريقيا وأمريكا اللاتينية والقارة الهندية.
الفكرة من كتاب الثقافة العربية وعصر المعلومات
تعد ثقافة أي مجتمع إحدى أهم دعائم وجوده التي يستند إليها، كما تمثِّل الإطار الخارجي الذي يُكسِب المجتمع طابعه الخاص المميز له عن غيره ويحميه من الذوبان في المجتمعات الأخرى، ولكن جاءت ثورة تكنولوجيا المعلومات لتقلب جميع المفاهيم رأسًا على عقب، وتصطدم اصطدامًا مباشرًا مع العقلية العربية السائدة اليوم، لذا كان هذا الكتاب بمثابة محاولة نحو تناول المشكلة التكنولوجية العربية من منظور ثقافي بحت.
مؤلف كتاب الثقافة العربية وعصر المعلومات
الدكتور نبيل علي: رائد معالجة اللغة العربية حاسوبيًّا وتعريب نظم المعلومات على المستويين العربي والعالمي، وحاصل على دكتوراه في هندسة الطيران، يعمل أكثر من 30 عامًا في مجال الكمبيوتر ونظم المعلومات برمجةً وتصميمًا وإدارة، كما أن له أكثر من 15 دراسة في مجال التنمية المعلوماتية بالوطن العربي لمنظمات أليكسو، والإسكوا، واليونسكو، وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، كما أن له عدة كتب في مجال المعلوماتية منها “اللغة العربية والحاسوب”، و”العرب وعصر المعلومات”، و”تحديات عصر المعلومات”.