منطقة الكاب
منطقة الكاب
بين (القنطرة) و(الكاب) كانت المنطقة مشتعلة، وكانت إحدى الكتائب ذات التسليح القديم تحرس منطقة (الكاب) وتعرف بمدفعية 25 رطلًا، وكان هذا السلاح من مدفعية الحرب العالمية الثانية مما يعني أنه قديم وبدائي وقصير المدى وصعب التشغيل، بينما الأسلحة على طول الجبهة أحدث وأكثر خطرًا، وكان الجنود يستطيعون تمييز صوت مدافع كتيبتهم من بين المدافع الأخرى.
ولهذا كان عليهم أن يأخذوا مواقعهم بالقرب من القناة ليكون لمدافعهم العتيقة المدى المؤثر في مواقع العدو الممتدة أمامهم، وحاول العدو التسلل من هذه المنطقة فأغرقته هذه المدفعية القديمة، وفي ليلة بعد أن كثَّفت طائرات العدو غاراتها على المنطقة وركزت نارًا كثيفة على هذا الموقع حاول العدو الدخول من المنطقة القديمة التي تحميها هذه المدافع، وفي لحظة كان صوت قائد الكتيبة يأمر الرجال من خلف المدافع: “اضربوا حتى آخر طلقة من أجل زملائكم على القناة”.
وفي لمح البصر احتل الجنود مواقعهم وانطلقت القذائف المتتالية على العدو، ولكن طائرات العدو كانت تلقي شحناتٍ وحشية من القنابل وتضرب بالصواريخ المتتالية من غير توقف، فأصيب عدد من المدافع واستشهد عدد من رجالها وأصاب اليأس عددًا آخر من أفراد المدفعية الباقية وهمُّوا بالتراجع، ولكن صاح قائدهم: “من يتراجع سأضربه بالنار فورًا”.
عاد الجنود إلى مواقعهم واستبسلوا مع بقية زملائهم والطائرات تزيد من جنونها، وأصبحوا هم والمعركة جسدًا واحدًا ولم ينتبهوا إلى مدافعهم القديمة التي أغرقت زوارق العدو إلا بعد توقف الطيران، ومع أول ظهور للصباح حضر القادة ووضعوا على صدور الجنود شارات البطولة، وحين استبدلت هذه الأسلحة بأخرى جديدة لم يكن الموقف سهلًا عليهم لأنها صحبتهم لفترة غير قليلة ودافعت عنهم.
الفكرة من كتاب مذكرات جندي مصري في جبهة قناة السويس
على ضفة قناة السويس دارت رحى الحرب بين مصر وإسرائيل فيما يعرف بحرب الاستنزاف، أو حرب الألف يوم، وحدث العديد من المناوشات بين الفينة والأخرى، بالإضافة إلى بعض المعارك الصغيرة أو التسلل إلى الضفة المقابلة وإيقاع خسائر في الجيش المقابل، وقد كانت المدافع المصرية منصوبة في وجه المدافع الإسرائيلية في قطاع شرق الإسماعيلية حيث كانت كتيبة المؤلف؛ فيروي لنا أحداث ما رآه من هذه الحرب، وأحداث رفاقه وأحلامهم وطموحاتهم وحماسهم وبسالتهم وأيضًا خوفهم، وقد كتبها بدافع من يريد إظهار بطولات الجنود البسطاء المنسيين على الحدود حتى تشعر أنك ترى الحرب وأحداثها ماثلة أمامك لا كاتب ينقلها لك ويتأثر بانفعالاته وانحيازاته؛ إنها بحق عمل جليل.
مؤلف كتاب مذكرات جندي مصري في جبهة قناة السويس
أحمد حجي: كاتب، ولد عام 1941 بقرية ميت جراح بمحافظة الدقهلية، وتخرَّج في كلية الطب البيطري عام 1967، وبدأ نشاطه الاجتماعي في أواخر الخمسينيات، ففتح مدرسة لمحو أمية الفلاحين والعمال والنساء في قريته بالدلتا، وجُنِّد بالقوات المسلحة عام 1968 في مكان آمن بالقاهرة، لكنه طلب بنفسه الذهاب إلى الجبهة حيث تولى الشؤون الطبية في الكتيبة التي خدم بها على جبهة القناة حتى استشهاده عام 1972.
له مقالات في الثقافة والفن ومحو الأمية، نُشر أغلبها في مجلة “الطليعة”، وصدرت له عدة كتب، منها: “الكلمات والبارود”، و”الفلاحون والعمل السياسي”، و”محو الأمية عمل لا بد منه”، ومنعت الرقابة صدور كتابه “مذكرات جندي مصري في جبهة قناة السويس” عام 1972، ثم ها هو بين أيدينا الآن.