منصات التواصل الاجتماعي وصراع النسيان
منصات التواصل الاجتماعي وصراع النسيان
على عكس النظرة الشائعة للنسيان وأنه فعل سلبي يعوق عمل الذاكرة، ومن الجيد التخلص منه أو تقليل حدوثه، يرى الفيلسوف نيتشه أن النسيان عملية صحية ضرورية للوصول إلى السعادة، والتمكن من المضي قُدمًا في تجارب الحياة دون حمل أثقال تُعجّزنا، بينما يرى فرويد أن النسيان آلية للإنسان، يلجأ إليها عندما يتعامل مع ذكريات وتجارب غير محتملة، وهو ما أنقذ عديدًا من الحيوات في القرن العشرين، الذي كان مليئًا بالحروب والكوارث والمذابح.
ولكن النسيان أمر اجتماعي، فلن ننسى إلا إذا نسي الآخرون أيضًا، لكيلا يذكّرونا، لكننا الآن إذا أغلقنا النوافذ التي تصلنا بالعالم الخارجي رغبة في النسيان، فسنتفاجأ بتورطنا في شباك عالم رقمي لا ينسى، محتفظ بياناتنا الرقمية، التي تتضاعف حتى لو قررنا ترك المنصات، والتي تسد الفجوة بين العالم الواقعي والافتراضي، وأصبحت عديد من الأنشطة تعتمد عليها، كالزواج والتوظيف، فبصمة الشخص الرقمية، وشكل صفحته الشخصية على المنصات، تؤخذ في عمليات تقييمه.
حاولت بعض المنصات حل تلك المشكلة، مثل سناب شات | Snap Chat، فمنذ بدايته كان المحتوى المنشور من فيديوهات قصيرة وصور تُخزن مؤقتًا على الخوادم، ثم تُحذف بعد فترة تلقائيًّا، ليمنح المستخدمين حرية أكبر في إنتاج المحتوى دون الخوف من العواقب اللاحقة، ولكن الغريب أن المستخدمين التفوا على تلك الآلية بشتى الطرائق، لمحاولة إبقاء المحتوى المحذوف معروضًا، حتى خضع سناب شات لركاب باقي المنصات، وحذف تلك الخاصية. فلماذا رفض صغار السن تلك الخاصية؟ يمكن أن تُفسر تصرفاتهم بالحنين المستمر إلى الماضي، بجانب التهاب مشاعرهم، والرغبة في التمرد على الخصائص المفروضة عليهم.
الفكرة من كتاب نهاية النسيان.. التنشئة بين وسائط التواصل الاجتماعي
كم رغبنا في امتلاك قدرة خارقة لتذكّر كل المعلومات! ولطالما رأينا أن النسيان -خصوصًا في الامتحانات- عدو لدود، ولكن إذا تأملنا النسيان بعيدًا عن السياقات المطالِبة بالتذكر، فسنجد أن لديه عديدًا من الفوائد التي قد تنقذ حياتنا.
النسيان مهم وضروري وسنعلم لِمَ، كما سنعرف كيف تهدده منصات التواصل الاجتماعي، بالإضافة إلى معرفة مصير ذكرياتنا المنشورة عليها، وإذا أردنا الرحيل أو التغيّر، هل ستغفر لنا منصات التواصل الاجتماعي ما فعلناه سابقًا، أم ستظل تذكرنا؟ وهل توجد طريقة لحذف ما نشرناه للأبد؟ والسؤال الأهم، إذا عجزنا عن النسيان، ما تأثيرات ذلك فينا؟
مؤلف كتاب نهاية النسيان.. التنشئة بين وسائط التواصل الاجتماعي
كيت إيكورن: هي أستاذة مشاركة في دراسات الثقافة والإعلام في مدرسة نيو سكول في نيويورك، تدرس مقررات حول تاريخ الإعلام والنظرية النسوية والدراسات الثقافية، وتمتلك شهادة الدكتوراه في اللغة الإنجليزية من جامعة يورك في كندا، أسست جمعية Fembot، وهي منصة على الإنترنت للدراسات والنشاط النسوي، لتعزيز البحث الحاصل على التخصصات المختلفة والتعاون في دراسات النسوية.
وقد نُشرت أعمالها في عديد من الدوريات الأكاديمية والمجموعات المحررة، فضلًا عن وسائل الإعلام الشعبية مثل صحيفة The New York Times وThe Guardian وThe Nation، ومن بين كتبها:
The Archival Turn in Feminism: Outrage in Order.
Content.
معلومات عن المترجم:
عبد النور خُرَاقِي: مفكر وباحث ومترجم مغربي، يهتم بمجال العلوم الإنسانية والقضايا اللغوية الاجتماعية، ولد في مدينة أحفير في المغرب، ويقيم بمدينة وجدة، حصل على شهادة الدكتوراه في علم اللغة الاجتماعي وعلم التداول الاجتماعي (Socio-Pragmatics) من جامعة محمد الأول عام 2000م، وأتبعها بشهادة الدكتوراه في العلوم الإنسانية من جامعة نيوكاسل البريطانية عام 2003م، وعمل رئيسًا لقسم اللغة الإنجليزية وآدابها في جامعة محمد الأول، وأستاذًا زائرًا في جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا، ومحكمًا دوليًّا للأعمال المترجمة من اللغتين الإنجليزية والفرنسية إلى العربية بالأمانة العامة لدولة الكويت، وحصل على جائزة الملك عبد الله بن عبد العزيز العالمية للترجمة عام 2022م، كما ترجم عديدًا من المؤلفات من اللغة الإنجليزية من بينها:
مدخل إلى التنقيب في بيانات العلوم الاجتماعية.
اللغة والهوية.