منبع الشكوى
منبع الشكوى
رغم توسُّط العمود الفقري لشبكة هائلة من الأعصاب؛ فإن الفقرات نفسها لا تغذيها الأعصاب، ومن هنا نستنتج أن ألم الظهر لا ينشأ من الفقرة نفسها بل من الأربطة والعضلات المحيطة بها، أو من ضرر حادث في القرص الغضروفي أو من الشد والضغط على الأعصاب المتفرعة المارة خلال فتحات الفقرات أو من الحبل الشوكي نفسه كما أشرنا سابقًا.
ولأن الإجهاد هو المحرِّك الأول لإحساس الألم، فليست جميع الفقرات تتعرض للقدر نفسه من الضغط والتعب في أثناء الحركة، فنلاحظ أن الفقرات الصدرية هي الأقل إصابةً لقلة حركتها وارتباطها بالضلوع، بينما تكثر الشكوى من الفقرات العنقية (الخامسة والسادسة والسابعة)، والفقرات القطنية (الرابعة، والخامسة) لزيادة العبء الواقع عليها في أثناء الحركة.
ولو تفكرنا قليلًا في استخدامنا لعمودنا الفقري لوجدناه في شقاء دائم! طوال اليوم بساعاته الأربع وعشرين لا نتوقف عن استخدامه حتى في ساعات النوم، فضلًا عن الوزن الزائد أو الأحمال الثقيلة ووضعيات الجلوس والوقوف والنوم غير الصحيحة، كل تلك السلوكيات السلبية المرتبطة بنمط المعيشة تضر بسلامته وتجعله الألم الأشهر بين الناس، تمامًا كنزلات البرد لم تترك شخصًا إلا وأصابته في يوم ما، على ذلك فقد يصيب أشخاصًا بمعدلات أكبر من غيرهم.
نعلم أن لدينا وظائف تكثر المشكلات المتعلقة بالظهر بين ممتهنيها، كالحمَّالين والكُتَّاب وربات البيوت نتيجة وضعيات عملهم الخاطئة، لكن المدهش أن بعض العادات البعيدة ظاهريًّا قد تؤثر في وجود هذا الألم، فالمدخنون كما أثبتت الدراسات يظهرون تأخيرًا في عملية إذابة الجلطات تتزامن مع آلام الظهر، وسعالهم المتكرر يتسبب في إحداث ضغط زائد داخل تجويف البطن مما يؤثر في العمود الفقري بالسلب، وتؤدي العوامل الوراثية دورًا في معدلات الإصابة، فنجد أفرادًا يتميزون بصلابة الفقرات وما يحيط بها، وآخرون تكثر بينهم الإصابات كالانزلاق الغضروفي أو عرق النَّسا، وهناك السمنة التي تتسبب في دفعه إلى الأمام كالمرأة الحامل، مما يشد الأربطة والعضلات ويضغط على الأعصاب ويسهم في تآكل الغضاريف، كذلك الطوال نحاف القامة فعمودهم يتعرض لإجهاد زائد.
الفكرة من كتاب هل تعاني من ألم الظهر؟
إن قلنا لك أوجد خمسة أشخاص يعيشون بلا مشاق ولا تعب فهل ستجد؟ وإن سألناك ما أكثر التخصصات الوظيفية راحة بلا مشكلات إدارية ولا استنزافات نفسية أو جسدية، فهل من المنطقي أن نجد تلك المهنة؟ بالتأكيد قد تراودك بعض التصوُّرات عن عمل مثالي أو شخص مترف بالنعيم يبدو أنه ما عانى قطُّ، لكن بعيدًا عن تلك التصورات المناقضة للحقيقة فلا وجود لهكذا حياة مثالية ولا عمل، تمامًا كما لا وجود لشخص لم يعانِ ألمَ الظهر! فوجع الظهر والعنق هو الشكوى التي لا تنضب ولا تنتهي ولا يشفع لها العمر ولا الحال.
في هذا الكتاب -المنشور عام 1994- سنستكشف هيكلنا العظمي وتحديدًا دعامتنا وركيزتنا الأولى عمودنا الفقري، من شتى الجوانب التشريحية والأمراض الشائعة المتعلقة بهذه المنطقة بما في ذلك وسائل العلاج الطبيعي المختلفة بعيدًا عن العلاج الدوائي الكيميائي أو الجراحي وأضرارهما الجانبية.
مؤلف كتاب هل تعاني من ألم الظهر؟
أيمن الحسيني: كاتب مصري وطبيب استشاري الأمراض الباطنة وخبير التغذية والأعشاب، مختصٌّ في مجال الطب الحيوي، وله العديد من المؤلفات المبسطة في مختلف مجالات الطب والصحة العامة والطب البديل، نذكر منها:
عزيزي مريض الروماتيزم.
دليل الأسرة في الإسعافات المنزلية.
خطر يهدِّد صحتنا اسمه ارتفاع الكوليسترول.
الثوم الساحر.. دواء طبيعي في مواجهة أمراض العصر.