ملامح خلافته
ملامح خلافته
كانت خلافة عمر فتحًا كبيرًا على المسلمين، فهو أول من فتح الفتوح، وكان أول فتح أتاه اليرموك على عشرين ليلة من متوفى أبي بكر، وفتح العراق وأذربيجان والبصرة والأهواز وفارس والشام كلها، وفتح الجزيرة والموصل ومصر والإسكندرية، ومن وصاياه لجيوشه: “لَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ المُعْتَدِينَ، ثُمَّ لَا تَجْبُنُوا عِنْدَ اللِّقَاءِ، وَلَا تُمَثِّلُوا عِنْدَ القُدْرَةِ، وَلَا تَقْتُلُوا امْرَأَةً وَلَا هَرِمًا وَلَا وَلِيدًا، وَتَوَقَّوْا قَتْلَهُمْ إِذَا الْتَقَى الجَّمْعَانِ وَعِنْدَ هَجْمَةِ النَّهضَاتِ وَفِي شَنِّ الغَارَاتِ”، وبلغه أن نساء الغزاة يتضررن من غياب أزواجهن فكان لا يغزو جيش له أكثر من ستة أشهر إعفافًا لهن.
عدل الفاروق برعيته فكان يقضي بين الناس في قبائلهم ويخلف الغزاة في أهليهم، ويمشي في الأسواق يعين الرجل على دابته، ويقضي حاجات العجائز ويخرج عنهم الأذى ويحمل الطعام للجياع وبني السبيل، ويخطب في الناس: “مَنْ كَانَ لَهُ مَظْلَمَةٌ فَلْيَرْفَعْهَا إليَّ”.
وقد أصاب المسلمين قحط شديد عام الرمادة فأكل الزيت حتى اسودَّ لونه وضعف جسمه، وكان ناسكًا زاهدًا، له ثوب واحد فيه اثنتا عشرة رقعة، ولا يأكل أصناف الطعام دون فقراء المسلمين، ويقول لبطنه “قرقر، فَوَالله لا تَأْكُل حَتَّى يَأْكُلَ النَّاس”.
كان وقافًا عند كتاب الله ﷻ لا يجد حرجًا أن يرجع في كلمة قالها أو قانون وضعه إذا ذُكِّر بمخالفته لكلام الله ﷻ، وليس ذلك غريبًا على رجل مرض شهرًا عندما سمع قوله ﷻ: ﴿إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ مَّا لَهُ مِن دَافِعٍ﴾، وتعلم البقرة في اثنتي عشرة سنة، ونقل عن رسول الله ﷺ خمسمئة وسبعة وثلاثين حديثًا، فجعل جلساءه أهل القرآن، كهولًا و شبانًا، وجعل وزيره عليّ بن أبي طالب وعلم عليّ لا يخفى على أحد، وكان يقول له: “لَا أَبْقَانِي اللهُ بِأَرْضٍ لَسْتَ بِهَا يَا أَبَا الحَسَن”.
الفكرة من كتاب مناقب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه
عمر بن الخطاب -رضوان الله عليه- من كبار الصحابة، أسلم في بداية الدعوة، وهاجر مع رسول الله ﷺ وصحبه كظله، وبشره رسول الله ﷺ بالجنة في غير موضع، ومع ذلك لم يمنعه تاريخه الحافل من أن يأمن مكر الله، فصام الدهر وقام الليل وحمل همّ الأمة، وبكى من خشية الله حتى نحرت دموعه خديه.
مَنّ الله عليه بالخلافة، وفتح له من مشارق الأرض ومغاربها ما لم يُفتَح لنبيه ولا صدِّيقه، فعلم معنى أن يستخلفه الله في أرضه، فحكم بما أنزل الله وعدل، واجتهد وأصاب، وحمّل نفسه ما لا تطيق خشية السؤال، فكان يدخل يده في دبر البعير ويقول: “إني أخاف أن أُسأَلَ عمّا بك!”، وكان يأكل مما يأكل منه فقراء المسلمين وربما أقل، وكثير وكثير مما لا يتسع المقام لذكره، فالرجل أكبر من أن تحتويه دَفَّتا كتاب، وإنما هي تذكرة، فكما فرق الله به بين الحق والباطل في صدر الإسلام، لربما نتبع أثره فنفرق بين الحق والباطل في زمن مالت فيه شمس الإسلام إلى الغروب.
قد صنعه الله من طينة نقية وُجِدَت بكثرة في تلاميذ رسول الله ﷺ، ولا يعجزه أن يصنعنا، إلا أننا انفلتنا من طينتنا وادّعينا الاستغناء!
مؤلف كتاب مناقب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه
أبو الفرج الجوزي : وُلِدَ سنة خمسمئة وعشرة من الهجرة النبوية، ترعرع في مسجد محمد بن ناصر الحافظ في بغداد، وتفقه وسمع الحديث وحفظ الوعظ، ووعظ وهو ابن عشرين سنة أو دونها، وأقل ما اجتمع في مجلس وعظه عشرة آلاف، وربما اجتمع فيه مئة ألف منهم الخلفاء والوزراء والعلماء، وتُوُفِّيَ -رحمه الله- سنة خمسمئة وسبع وتسعين من الهجرة النبوية.
وله عديد من المصنفات منها:
زاد المسير.
الأحاديث الموضوعة.
العلل المتناهية في الأحاديث الواهية.
المنتظم في تواريخ الأمم من العرب والعجم في عشرين مجلد.