ملامح العبقرية.. ماذا لو عادوا؟
ملامح العبقرية.. ماذا لو عادوا؟
تبرز شخصية “بولس الرسول” في المسيحية كناشر للرسالة، وحامل لعبء الديانة بعد عصر المسيح عليه السلام، وتغري هذه الشخصية جماعات المستشرقين، بالبحث له عن شبيه ما في رجال الإسلام، يكون له هذا القدر الكبير من الزخم والتأثير، فلا يجدونه إلا في الخليفة عمر بن الخطاب (رضي الله عنه)، لكن الفارق الأساسي الذي يتم تجاهله على الدوام أن أحدهما -وهو الفاروق- قد صاحب نبيه وتلقى تربيته ورسالته مباشرة، والآخر لم يرَ هذا النبي، ولم يكن الفاروق وحيدًا في هذا المقام من رسول الله ﷺ، فقد اجتمع حول النبي عديد من النجباء والأفذاذ، كل منهم يختص لنفسه مقولة أو عاطفة اختصه بها رسول الله، فلا يتنحى أحدهم من منزلة الصديق والصاحب، في الحال نفسه الذي يطلب فيه الهدى والرشاد.
وفي هذا العصر يأخذ اليأس بالناس حتى يوغلوا في الأحلام، فيقولون: ماذا لو عاد هذا الزمن؟ ماذا لو عاد النبي؟ وعلى الأرجح لن يختلف الحال عن سابقه، فسوف يجد ابن آدم على حاله منذ ألف عام، فيدعوه إلى ما دعا، وينهاه عما نهى، وهل يملك الرسل والمصلحون إلا ضرب المثل العليا؟ إن شرور هذا العصر لا تختلف عما سبقه، بل هو اختلاف الأذواق والسلع، الشر هو ذلك الشر لا ينقص شيئًا، إذًا ففيمَ يهلك المصلحون؟ وإذا بقي الإنسان على غيه وكفرانه، فما جدوى الدماء التي سُفكت والأعمار التي فُقدت؟ الحق أن هذا ليس بواجب على هؤلاء القوم، وليس حتمًا أن يجلب الخير والسعي نحو المثل العليا، السعادة للبشرية، بل يكفيهم التذكير بالضمير في زمن لا يعبأ به. والادعاء بأن الأديان أثبتت فشلها لمجرد وجود الشر وبقائه في العالم ادعاء ساذَج، فإذا كان هذا عصرًا تدفع فيه الديانةُ المؤمنَ نحو البحث عن خير لا يدركه، وتجنب شر لا يُطيقه، فيكفيه أنه يعرف الخير ويسعى إليه، وليس أجهل من هؤلاء الباحثين عن عالم بلا شر، وينظرون بعين السخرية إلى المؤمنين المنتظرين عهد السلام في آخر الزمان.
الفكرة من كتاب حياة قلم
في أسوان، يرى خلفه جبال النوبة شامخة، ترفع أعلام الماضي وترفض أن تتقاصر للبساط المحيط بها، وأمامه الوادي يشق جبهة الهضبة الحجرية، وينحر الصحراء لينعم على هذا القطر بالزرع والرفاه، فماذا يبقى لمصر إذا ذهبت أسوان وذهب نيلها؟
كان عصر العقاد مليئًا بالأفذاذ في كل فن، وليس من السهل على فتًى قادم من أقصى الصعيد أن يتميز قلمه بين هؤلاء الكبار، لكنه ومنذ البداية لم يكن يعبأ بالأنداد، ويعطيه قلمه وحدسه الثقة الكبيرة بما يُقدم وما يفعل، حتى انتزع لنفسه منزلة بين الأعلام. في هذه السيرة الذاتية، يهتم العقاد بأن يعرض لنا سيرته الصحفية والأدبية، منذ إنشائه مجلته الخاصة في الابتدائية، حتى توليه قلم الأدب في جريدة “المؤيد”، يقص علينا جولاته في عديد الوظائف التي شغلها، وصولاته مع عديد الشخصيات التي عاصرها، وفي النهاية نتعرف شيئًا من فلسفته وآرائه في قضايا السياسة والأدب.
مؤلف كتاب حياة قلم
عباس محمود العقاد: وُلد في أسوان عام 1889م، ونشأ في أسرة فقيرة، فلم يتعد في تعليمه المرحلة الابتدائية، ولكنه اعتمد على ذكائه في تكوين ثقافة موسوعية، وتعلم اللغة الإنجليزية في طفولته من مخالطته الأجانب الزائرين لأسوان.
اشتغل بالسياسة في فترة من حياته وانتُخِبَ نائبًا للبرلمان، وسُجِنَ تسعة أشهر بتهمة “العيب في الذات الملكية”، عُرفت عنه معاركه الأدبية مع كبار مفكري عصره، كالرافعي وطه حسين، وأسس مع عبد القادر المازني وعبد الرحمن شكري “مدرسة الديوان” الشعرية.
وللعقاد عديد من المؤلفات والدواوين الشعرية نذكر أهمها:
سلسلة العبقريات.
كتاب “ساعات بين الكتب”.
كتاب “التفكير فريضة إسلامية”.
ديوان “أعاصير مغرب”.
ديوان “عابر سبيل”.