مقدمات ضرورية
مقدمات ضرورية
كثيرًا ما كانت قضايا التنمية الاقتصادية هي هاجس الدول الأول، فعلى مستوى مراحل التطور الاقتصادي كانت الدولة حاضرة وبقوَّة جنبًا إلى جنب مع القطاع الخاص، مما أوضح بجلاء حجم إمكانياتها الكبيرة وأعبائها كذلك، بيد أن الدور المنوط بالدول تجاه الاقتصاد ظلَّ موضع أخذ ورد، فبينما كانت هناك أصوات تنادي بالحرية المطلقة وفكرة الدولة الحارسة نجد على النقيض تمامًا ثمة أصوات من الجهة الأخرى تنادي ببسط النفوذ على مفاصل الاقتصاد، فإذا كانت الدولة تبسط رداء سيادتها على إقليمها ورعاياها، فإنها في الوقت نفسه مطالبة بالقيام ببعض الواجبات التي تعد تبريرًا لشرعيتها.
من ذلك قيام الدولة بوضع الإطار القانوني المنظم للنشاط الاقتصادي، مما يوفر قدرًا معقولًا من الاستقرار القانوني في الأوضاع التنظيمية لمعاملات الأفراد، بالإضافة إلى توفير البيانات والمعلومات الخاصة بالأنشطة الاقتصادية المختلفة، كما تلتزم الدول بتوفير الخدمات الأساسية للمجتمع، ويتمثَّل الحد الأدنى من تلك الخدمات في قيامها بتوفير خدمات الأمن والعدالة والحماية من المخاطر، وقد تمتدُّ إلى قيامها بتوفير خدمات التعليم والصحة وإقامة الطرق والمواصلات العامة.
كما تظهر سيادة الدولة بوضوح في سيطرتها على السياسات المالية والنقدية، فهي من ناحية تقوم بإعداد موازنتها عبر التحكم في قطبي الموازنة من الإيرادات والنفقات، ومن ناحية أخرى تسيطر على النظام النقدي وعملية إصدار العملة الوطنية، فبعد إلغاء نظام المقايضة ولجوء الدول إلى استخدام العملات النقدية تولَّت الدول مهمة سكِّها وإكسابها صفة الإلزام القانوني في التعامل بين مواطنيها، ونتيجة لذلك زادت أعباء الدول حيث أصبحت ملزمة بالحفاظ على الاستقرار النقدي لقيمة العملات المحلية، مما يتيح للمستثمرين فرصة القيام بالتنبُّؤ الصحيح للقيم المستقبلية المتعلقة بالإيرادات والنفقات الخاصة بالمشاريع المختلفة، ومن ثم التنبؤ بالأرباح.
الفكرة من كتاب دور الدولة في الاقتصاد
الاقتصاد مرآة السياسة، فكل تطوُّر اقتصادي يشهده أي بلد لا بدَّ من أن يؤثر في وضعه السياسي والعكس صحيح، وقد ثار جدل أزلي بين أهل الاقتصاد والسياسة فيمن يقود مَن أو مَن يؤثر أكثر في الآخر، ولكن يتفق الجميع على أن ثمة ترابطًا حدث بينهما خلال حقب التاريخ المختلفة.
عندما اجتاحت الأزمة العالمية عام 2008 الأسواق المالية تخلَّت الدولة عن دور الحارس وتدخَّلت لتنتشل الاقتصاد من أزمته، ويتكرَّر الأمر في ظل الأزمة الاقتصادية العالمية اليوم، والتي سبَّبتها جائحة فيروس كوفيد 19 “كورونا”، مما جعل البعض يتساءل عن الحدود الفاصلة بين الدولة والاقتصاد، وعلى ذلك يقدم هذا الكتاب مراجعة حية للتطور التاريخي الحاصل في سياق رؤية مفصلة للاتجاهات التاريخية والجيوبوليتيكية التي حدَّدت الأطر الحاكمة للأنظمة السياسية والاقتصادية.
مؤلف كتاب دور الدولة في الاقتصاد
حازم عبد العزيز الببلاوي: ولد في 17 أكتوبر 1936، تخرج في كلية الحقوق جامعة القاهرة عام 1957، حصل على دبلوم الدراسات العليا العلوم الاقتصادية، جامعة جرينوبل، فرنسا 1961، ودكتوراه الدولة في العلوم الاقتصادية، جامعة باريس – فرنسا سنة 1964، شغل سابقًًا منصب رئيس الوزراء في مصر، كما يشغل حاليًًّا منصب المدير التنفيذي لصندوق النقد الدولي، حصل على وسام جوقة الشرف بدرجة فارس من حكومة فرنسا سنة 1992، ووسام ليوبولد الثاني بدرجة كومانور من حكومة بلجيكا سنة 1992.
له العديد من المؤلفات أبرزها: الاقتصاد العربي في عصر العولمة، ودليل الرجل العادي إلى تاريخ الفكر الاقتصادي، ونظرات في الواقع الاقتصادي المعُاصر، ونظرية التجارة الدولية.