مقدمات أساسية
مقدمات أساسية
لا يكون الحكم على الأمور والقضايا العامة حكمًا عبثيًّا هكذا، وإن كان كذلك فإنَّه لا فائدة منه في إصلاح أو تغيير أو تجديد، وإنما النقد البنَّاء والحكم الفعَّال يكون مبنيًّا على منهجية صحيحة وقواعد منطقية حاكمة ينطلق منها إلى فَهم الأمور على حقيقتها وتصوُّرها بعيدًا عن شطحات الهوى وفلسفة العقل، وهنا يقدم الكاتب أربع مقدمات كلية جامعة شاملة مستمدة من الشرع للحكم والاحتجاج.
ومبدئيًّا فقد يمس الذهن بعض الريب أو الشك تجاه تلك المقدمات فيما يتعلق بدلالتها هل هي قطعية أم ظنية، وإنما هي -أي تلك المقدمات أو الكليات- أدلة قطعية في إفادة معناها، مُستقرأة ومُستنبطة من جملة أدلة ظنية تضافرت على معنى واحد حتى أفادت فيه القطع.
وتدور المقدمة الثانية حول التدين باعتباره الغاية الأولى من الدين والقصد الأصيل من الخلق، والتدين إقامة للدين على المستوى الفردي في علاقة الإنسان بربه ثم يأتي المستوى الجماعي في علاقة الإنسان بجنس البشر، وإقامة الدين، أي إقامة شعائر الدين طاعة وخضوعًا لله تعالى هو الغاية، وإن غابت الغاية عن الذهن اضطربت الوسائل فأصبحت غايات بذاتها وتعد سببًا من أسباب انحراف الحركات الإسلامية، وتقودنا هذه المقدمة إلى مقدمة أخرى متعلقة بالمحافظة على الشعائر الإسلامية الظاهرة منها خاصة، وهي أن تفشي المنكر والفجور وعدم الأخذ على يد الظالم والفاسق سبب رئيس في هلاك الأمم وخراب الحضارات، وعلى الجانب الآخر فإن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سببٌ لحفظها وصيانتها من نزول عذاب الله.
إنَّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ليس أمرًا من قبيل الرفاهية، وإنَّما واجب شرعي على الأفراد والمجتمعات بالضرورة، ويكون النهي عن المنكر وتغييره أولى من الأمر بالمعروف لأنه متضمِّن للأمر بالمعروف بشكل ما، وهناك ضوابط لذلك على درجات بحسب حال المنكر ومن ينكره وكيف ينكره حتى لا يستجلب منكرًا أشد شناعة منه، إلا أنه لا يتوقف إنكار المنكر والعمل على تغييره بأي شكل كان، فإن عجزت عن إنكاره بكل الوسائل فاحذر أن يتسلل إلى قلبك فيقبله شيئًا فشيئًا نتيحة للتكرار والتعود، وذلك لطبيعته المتعدية فتصبح متغيرًا به بعد أن كنت مغيرًا له!
الفكرة من كتاب الفجور السياسي والحركة الإسلامية بالمغرب
“إنَّ العمق الإستراتيجي للدعوة والعمل الإسلاميين إنما هو تدين المجتمع، كما تبين أنَّ أخطر ما يهدِّد ذلك هو موجة الفجور السياسي المنظم.. إلا أنَّ الحركة الإسلامية بالمغرب وهي تقف إزاء ذلك كله تُعاني اضطرابًا في الفَهم أو في الوجدان النفسي…”، فبلغة النقد المغلفة بحرص المُحب وفقه العالِم وما للمعاتَب من خاطر يطرح الكاتب قضية الحركات الإسلامية ومواجهتها للفجور السياسي المتفشي في مجتمع بلاد المغرب على نحو خاص، إلا أنَّه وبالطبع كسائر كتاباته الماتعة فإن هذا الطرح المنظم المختصر يصلح لكل زمان ومكان.
مؤلف كتاب الفجور السياسي والحركة الإسلامية بالمغرب
فريد الأنصاري: عالم دين وأديب مغربي، حصل على الدكتوراه في أصول الفقه، وعمل رئيسًا لقسم الدراسات الإسلامية بكلية الآداب، جامعة مولاي إسماعيل بمكناس في المغرب، كان عضوًا في رابطة الأدب الإسلامي العالمية، ومن أعماله الأدبية: “كشف المحجوب”، و”ديوان الإشارات” و”ديوان المواجيد” و”كيف تلهو وتلعب”.