مقتطف من التسعينيات
مقتطف من التسعينيات
في عام 1990 كانت بطولة العالم الرابعة عشرة لكرة القدم والتي وصفها الكاتب بـ “المملة الخالية من الجرأة والجمال”، فقد سجل فيها أقل معدل للأهداف في تاريخ المونديالات، شارك في البطولة أربعة عشر فريقًا أوروبيًّا، وستة فرق أمريكية، ومصر وكوريا الجنوبية والإمارات العربية المتحدة، والكاميرون التي تغلبت على الأرجنتين بأداء لمع فيه النجم الأفريقي، أما الأرجنتين فبعد خسارتها مباراة الافتتاح وتعادلها مرتين، كانت على وشك الهزيمة أمام البرازيل التي سيطرت على المباراة، لكن مارادونا، لعب بقدم واحدة متغاضيًا عن حالة قدمه المتورمة وتجاوز ثلاثًا ممن يحاصرونه ووفر تمريرة إلى كانيغيا خلقت هدفًا لم يخطئ اتجاهه، لكنهم في الختام خسروا أمام ألمانيا.
خلال ذلك المونديال، تحرر نيسلون مانديلا من سجنه الكائن في جنوب أفريقيا بعد سبعة وعشرين عامًا، واغتالت الشرطة الكولومبية رودريغيز غتشا أشهر تاجر مخدرات، وهو من أغنى عشرة رجال في العالم، واحتلت الولايات المتحدة بنما، وبدأت عملية توحيد ألمانيا وتفكيك يوغسلافيا.
أما بعد المونديال فلدينا مباراة لم تسر أحداثها وفق قواعد النجاح، ففي المباراة النهائية لكأس الأمم الأوروبية سنة 92، كان يفترض أن تنافس ألمانيا يوغسلافيا التي تخلفت عن المباراة بسبب الحرب، فاستُدعيت الدنمارك التي خرجت من تصفيات التصنيف، وكان لاعبوها في منتصف عطلتهم على الشواطئ لا يتدربون ولا يبدون رغبة أساسًا، فضلًا عن عدم توافر الوقت وغياب أفضل لاعبيها، أما الألمان فكانوا في أوج استعدادهم وبكامل أبطالهم، منقطعين عن كل الملذات والملهيات متفرغين للفوز، لكن النتيجة جاءت عكس المتوقع، فقد خسر الألمان أمام الدنمارك التي لم تكن مضطرة للفوز وكأنما الملعب استمرار لعطلتهم على الشاطئ.
رغم أن القصة السابقة كانت قدرًا مكتوبًا، فهناك مباريات أخرى وجد بها تدخُّل بالرشاوى والخداع، كنادي ليغيا بطل بولونيا الذي خسر لقبه لأنه رتب أمر مباراتين، وفي عام 1993 احتكر مسؤولو الكرة في ريو دي جانيرو سبع مباريات، فجنوا بذلك أموالًا طائلة من المراھنات، والكثير من قصص الفساد التي تحاوط المسؤولين في كل مكان، بما في ذلك الفيفا وعلاقاتها السياسية المشبوهة.
الفكرة من كتاب كرة القدم بين الشمس والظل
بعيدًا عن أحاديث المهووسين بالكرة، وعن نمطية الكتب الرياضية، يطل علينا غاليانو بأسلوبه الفريد ليرينا اللعبة من منظور أدبي مختلف، يأسرك مع المعاناة ويحررك مع الفرحة، لتتفاعل مع تبعات لم تتخيل مطلقًا أن الكرة هي محركها الأول.
هنا ستدرك الوجه الآخر لكرة القدم، ذلك الوجه المشتمل على مشاعر متضاربة، وحقائق مجهولة، والمرتبط بأبعاد سياسية واقتصادية وتحولات تاريخية لم يسبق لنا تصوُّرها، ببساطة لا يشترط هذا الكتاب اهتمامًا سابقًا بالكرة ولا إدراكًا لشروطها كي تشاركه رحلته الحزينة من المتعة إلى الواجب، ومن هواية تسلي البسطاء إلى صناعة معقدة وأداة فعالة لتحريك الشعوب.
مؤلف كتاب كرة القدم بين الشمس والظل
إدواردو غاليانو : عملاق من عمالقة الأدب اللاتيني والمفتون بالساحرة المستديرة، فكان رجل الحروف البارز في مجال كرة القدم العالمية، ولد غاليانو في الأوروغواي عام 1940 ومات في 2015، عمل خلال حياته باحثًا وروائيًّا وصحفيًّا، لكنه عاش جزءًا من عمره منفيًّا بعيدًا عن موطنه في إسبانيا والأرجنتين لأسباب سياسية.
امتاز أسلوبه بدمج المفردات والأنماط العالمية المستخدمة في الأدب، فعدَّ ملهمًا للكثيرين حول العالم، وترجمت أعماله إلى ثمانٍ وعشرين لغةً، من أبرزها:
أفواه الزمن.
أبناء الأيام.
صياد القصص.
الشرايين المفتوحة لأمريكا اللاتينية.
معلومات عن المترجم
صالح علماني: رائد ترجمة أدب الواقعية، الذي استطاع بمجهوده الفردي الغزير على مدى أربعين سنة وبكلماته السلسة أن يأخذ بأيدينا لنتطلع على أمريكا اللاتينية وأدبها كما لم يفعل غيره.
ولد شيخ المترجمين العرب في سوريا عام 1949 بهُوية فلسطينية وفارق عالمنا سنة 2019 في إسبانيا، وهي الدولة التي احتضن لغتها، وعمل في نقلها لنا بعد أن ترك دراسة الطب ومن بعدها الصحافة، حتى وجد ضالته مصادفةً في الترجمة، وقال في ذلك: “أن تكون مترجمًا مُهمًّا أفضل من أن تكون روائيًّا سيئًا”، وهكذا صار وسم “صالح علماني” على فاتحة كتاب ما شهادة بأن المضمون يستحق القراءة.