مقتطفات من الصبا
مقتطفات من الصبا
تبدأ قصة “محمود العربي” مذ كان طفلًا لا يفقه معنى التجارة في ذاتها، لكن الرغبة في كسب الرزق مثل أبيه وإخوته قد أشعلت قلبه، وألهمته –ذات رمضان- أن يعطي أخاه الأكبر ثلاثين قرشًا ليشتري له ألعاب العيد التي يهواها الأطفال فيجلس بها على أعتاب منزله ويبيعها، وقد نجح معه الأمر وربح على أثره عشرة قروش، ادَّخرها مع رأس ماله الأساسي حتى عيد الأضحى التالي، فكرَّر الأمر في سعادة غامرة أنسته لهو الأطفال ولعبهم وجعلته ينشغل في عمله هذا أربع سنوات، حتى انتقل إلى القاهرة للعمل وهو ابن العاشرة، لا يحمل سوى شهادة الكتَّاب وتعاليم القرآن.
وعن والده إبراهيم العربي فقد كان مزارعًا بسيطًا قوي البنية لا يملك الأرض لكنه يستأجرها، عرف بعدله وأمانته والتقوى وصلاح العمل، حتى أن امرأة في القرية استأمنته على ميراثها من زوجها المُتوفَّى، فلم يمسسه رغم احتياجه المال، هذه الصفة تحديدًا هي الركيزة التي يقوم عليها كل مجتمع قوي، ولا تجد عاقلًا متزنًا إلا وكان متسمًا بها.
أي إن الفضل في ذلك الوازع الإيماني يعود إلى أبيه الحاضر أبدًا في ذاكرته، الذي حرص على اصطحابه صغيرًا إلى المسجد وإيقاظه فجرًا للصلاة، لا يوقفهما عن أداء الفرض أي شيء حتى أيام المطر المنهمر والبرد القارس، نجده اعتاد تخبئة الصبي تحت عباءته إلى حين وصولهم مكان الصلاة.
وفي نصيحة خاصة أشار العربي أن الالتزام في الصلاة هو سبب استقرار صحته، وأن سبب استمرار عقله ونشاطه مع تقدم العمر هو القرآن الكريم.
الفكرة من كتاب سر حياتي: حكاية العربي
من طفل يتاجر في قروشه المعدودات إلى ملياردير جل همه توظيف أكبر عدد من العاملين ليكون لهم عونًا وسببًا بعد الله (عز وجل)؛ إنه رجل الأعمال المصري والاقتصادي المحترف، رئيس اتحاد غرف تجارة مصر “محمود العربي”، الذي أسر الجميع بحسن خلقه وأسسه القويمة، مع انتماء غير مسبوق إلى أصله البسيط ونشأته الدينية في قرية أبو رقبة بالمنوفية، كتب قصته مذ كان في الخامسة من عمره بشقاء وكد لا يعرف الاستسلام، وبتضحيات حقيقية تخلو من كل رياء وتكلُّف وزهو، بل يزينها الصدق والأمانة وحفظ الحقوق كمفاتيح سرية لكسب القلوب ونيل البركة، وقد نجح في ذلك حتى كانت جنازته (رحمه الله) مهيبة غير مسبوقة يعتصرها الألم على المفقود، وها نحن نستدرك أجزاء من حياته علَّنا ننتفع بما تركه من أثر طيب ومنهاج في الإدارة والأخلاق والتجارة على حد سواء، ثم نترحَّم عليه وندعو له بخير الجزاء، فسيرته الحسنة هي رزق من الله لعبده، وعمر آخر لا يفنى بفناء الجسد.
مؤلف كتاب سر حياتي: حكاية العربي
خالد صالح مصطفى السيد: كاتب ومهندس ومستشار إعلامي من مواليد القاهرة عام 1962، حاصل على بكالوريوس الهندسة من جامعة القاهرة عام 1985، وقد شارك في كثير من الأعمال متباينة المجالات كوضع مناهج تربوية وبرامج ترفيهية وتنموية لعدد من رياض الأطفال بالقاهرة، وكتابة السيناريوهات والمسرحيات والمقالات وتنفيذ ورش العمل الفنية والتنموية، فضلًا عن مهام الإشراف على تطوير مجلة نقابة المهندسين المصرية.