مفهوم الذاكرة عبر التاريخ
مفهوم الذاكرة عبر التاريخ
مر مفهوم الذاكرة، منذ العصور القديمة حتى العصر الوسيط بتطورات عديدة بُني عليها العديد من الأسس، بدايةً من أرسطو الذي قال إن: “كل شيء يسير وفق التداعيات، فكل ذكرى تستدعي الأخرى، وصورة شيء تجذب إليها صورة أخرى، عندما تقوم بين الطرفين علاقة تشابه وتعارض، أو تجاور”، وقد تأسَّس بعد ذلك فن الذاكرة في القرون الوسطى، بناءً على هذه القوانين الثلاثة للتداعي، وأضيف إلى هذه القواعد بعد ذلك التحليل الفلسفي لوظيفة الذاكرة لدى القدماء، مقاربة تشريحية وفسيولوجية، قائمة على دراسة العلاقات بين الدماغ والوظائف الذهنية.
وأما أفلاطون فقد وضع الدماغ في مركز الأنشطة الذهنية للإنسان، واقترح هيروفيلوس أن الوظائف العليا للدماغ داخل التجاويف الموجودة في الدماغ والمملوءة بالسائل المخي الشوكي تتواصل فيما بينها حتى أسفل النخاع الشوكي، وهذه التجاويف العديدة متواصلة فيما بينها وقادرة على تبادل الأفكار القائمة بداخلها، ويعد هذا الاقتراح بمثابة أول نظرية عن وضعية الوظائف المعرفية، وتطوَّرت هذه النظرية تطورًا هائلًا في القرون الوسطى، حيث تم التمييز بفضلها بين ثلاث ملكات أساسية ترتبط كل واحدة منها بتجويف بطني، وهذه الملكات هي: الحس والعقل والذاكرة.
وهكذا أعدت الذاكرة منذ الأزمنة القديمة والقرون الوسطى أحد أهم الإنجازات الذهنية، حيث كان العباقرة في ذلك الزمان هم الأشخاص أصحاب الذاكرة القوية.
الفكرة من كتاب الذاكرة.. أسرارها وآلياتها
إن الذاكرة هي إحدى قدرات الدماغ التي تُمكِّنه من تخزين المعلومات وتذكرها، وقد يطلق لفظ “ذاكرة” على عدة معانٍ أخرى تختلف بحسب المجالات التي تستخدم فيها، ففي العلوم العصبية مثلًا تعد الذاكرة هي القدرة على اكتساب المعلومات والحفاظ عليها واستعادتها، وفي علم النفس تعرف بأنها إمكانية تكييف السلوك وفق التجرِبة الماضية، وفي مجال الإلكترونيات والمعلومات تعدُّ جهازًا لحفظ البيانات والمعلومات وإدراجها.
يتناول هذا الكتاب لمحة تاريخية موجزة عن مفهوم الذاكرة وتطوره منذ البدايات في العصور السالفة حتى الآن، ويسلِّط الضوء على كيفية اشتغال الذاكرة داخل الدماغ الإنساني وأنواعها في محاولة لفَهم وظيفتها، من منظور العلوم العصبية وعلم النفس وعلم الأحياء وتقنيات التصوير الدماغي.
مؤلف كتاب الذاكرة.. أسرارها وآلياتها
لورون بوتي Laurent Petit: باحث فرنسي، يعمل بالمركز الوطني للبحث العلمي ضمن مجموعة البحث حول التصوير العصبي الوظيفي، مكَّنته إحاطته العميقة بالأبحاث الجارية في الولايات المتحدة الأمريكية من الإلمام بأهم القضايا المتعلقة بالذاكرة الإنسانية وارتباطها بأنشطة المناطق الدماغية، كما أن له اهتمامات بالمجالات المعرفية التي تهتم بدراسة الذاكرة مثل البيولوجيا العصبية، والسيكولوجيا المعرفية والأنثروبولوجيا.