مفهوم الأبارتهايد
مفهوم الأبارتهايد
لا يمكن فهم مصطلح الأبارتهايد بشكل عميق إلا بوضعه في سياق العديد من المصطلحات الأخرى، بدايةً من الاستعمار الذي هو السيطرة الكاملة على أراضي ومقدرات جماعة من البشر من قِبَل جماعة أخرى، وكان ظهور الموجات الاستعمارية الأوروبية باحتلال البرتغاليين مدينة سبتة المغربية عام 1415م، مرورًا بالعبودية التي يمتلك فيها إنسان إنسانًا آخر بالبيع والشراء والاستغلال، وقد ظهرت العبودية منذ القدم، وظلت تجارة رائجة لقرون واتخذت منحًى متطورًا مع الاكتشافات الجغرافية الأوروبية وحركة الاستعمار واستعباد السكان الأصليين قسرًا لأكثر من خمسة قرون، وليس انتهاءً بالعنصرية التي تفرق بين الأجناس والشعوب بحسب أصولها وألوانها وثقافتها، ويترتَّب على هذه التفرقة حقوق ومزايا للفريق صاحب الأصل الأعلى -حسب رؤيتهم- على حساب فريق آخر هو الأدنى في الطبقة.
في ضوء ما سبق يمكن تعريف مصطلح الأبارتهايد، وهي كلمة أفريكانية (Afrikaans) تتكون من مقطعين: الأول “أبار à part” وهي كلمة فرنسية تعني “الإبعاد”، والثاني “هايد Hied” بمعنى “حقيقة” أو “وضع” ويعني التفريق أو التمييز أو الإبعاد.
صنَّفت معاهدة روما، المؤسسة للمحكمة الجنائية الدولية، الأبارتهايد كجريمة ضد الإنسانية، ويعرف القانون الدولي الأبارتهايد أنه “جريمة الفصل العنصري” التي تشمل سياسات العزل والتمييز العنصري ضد جماعة من البشر بإلحاق الأذى أو حرمانهم من حقوقهم الإنسانية، بما يشتمل على القتل أو الأذى البدني أو النفسي أو التعدي على كرامتهم، أو اتخاذ تدابير تشريعية بمنعهم من المشاركة السياسية أو الاجتماعية أو الاقتصادية أو الثقافية، أو عرقلة حقهم في التعليم وحرية التنقل والإقامة، أو التدابير المتخذة بهدف عزلهم جغرافيًّا ونزع ملكياتهم، وتمتد المسؤولية أيضًا إلى كل من يشجع أو يحرض على الأفعال السابقة، سواء أكانوا أفرادًا أو مؤسسات.
يقوم الأبارتهايد على خاصيتين أساسيتين؛ أولًا: الهيمنة والسيطرة وبسط النفوذ بطريقة ممنهجة من قبل جهة ما، وثانيًا: سياسة الاضطهاد الممنهج ضد طائفة أو جماعة معينة على كل المستويات التي تسمح ببسط الأيديولوجية الخاصة بالجماعة المستعبِدة، هذان المبدآن يتعارضان مع مفهوم المساواة الذي يعطي الحقوق المتساوية للبشر بصرف النظر عن الفوارق العرقية أو الجنسية أو الدينية بينهم.
الفكرة من كتاب الأبارتهايد.. دراسة في الجذور التاريخية والثقافية لمفهوم الفصل العنصري
يحاول المؤلف في هذا الكتاب فهم مصطلح “الأبارتهايد” في سياق علاقة الكولونيالية الأوروبية والأمريكية مع البلدان المستعمرة ولا سيما في أفريقيا، كما يبين الخلفية الأيديولوجية للعنصرية الغربية وطريقة اشتغالها وارتباطها الوثيق بالحركات الاستعمارية لتصبح أطروحة الأبارتهايد أداة سياسية لإدارة المستعمرات.
مؤلف كتاب الأبارتهايد.. دراسة في الجذور التاريخية والثقافية لمفهوم الفصل العنصري
الدكتور حميد لشهب كاتب ومترجم مغربي، حصل على درجة دكتوراه قسم الفلسفة من جامعة ستراسبورغ الفرنسية سنة 1993، وحصل كأول باحث عربي على الجائزة العالمية “إريك فروم” لسنة 2004، له دراسات ومقالات عديدة في الميدان الفلسفي والسيكولوجي والسياسي