مفاجآت الحرب
مفاجآت الحرب
حتى الحرب تعرف الصداقة، حيث أخرج الجنود صديقين من تحت آثار قنابل الطيارات المعادية، لفُّوا كل واحدٍ منهما في بطانية، سرعان ما تلوَّنت باللون الرمادي ثم الأحمر، كانا مقربين جدًّا ولم يعرف عنهما الكثير، فأحدهما كان يحمل دبلوم تجارة والآخر دبلوم معلمين وكان كلٌّ منهما يعول أسرته بعد موت والده، وربما كان هذا هو الذي يوحد بينهما، ورغم صعوبة حياتهما فقد كانا أكثر مرحًا وكأنهما لم يعرفا الألم قط.
وبعد كل اشتباك كانا يحوِّلان كل ما حدث إلى فكاهات لاذعة، كانت قدرتهما على فعل ذلك غريبة، بل كان يكفي أن يُرى أحدهما قادمًا من بعيد حتى يغرق الجنود في الضحك، وفي الليل كان يكفي سماع صوتيهما، فمن يراهما كان يجزم أنهما ولدا معًا رغم أن أحدهما كان مسلمًا والآخر كان مسيحيًّا، ولم يلتقيا في الخندق سوى من عامٍ واحد، وكانت قطع الطين الملتصقة بأحذيتهما شاهدة لهما على ثباتهما وراء المدفع الذي ألقماه قذيفة ورغم طلب القائد منهما الاختفاء قبل أن تصل الطائرات فقد أصرَّا على إلقائها، ولكن الطائرات كانت أسرع، فقال أحد الجنود وكأنه يعزي البقية: كانا بطلين؛ على الأقل لم يفرا كما فر جندي التعمير في الكتيبة المجاورة.
وفجأة كان كلبٌ ينبش في أكوامٍ من الطين والتراب الضخمة، قال أحد الجنود: “لعله يشم ما لا تصل رائحته إليهم”. نبش المكان ووجد أحد العساكر راقدًا هناك دفن منذ ما يقرب من 3 أسابيع اتضح أنه جندي التعمير، وفي ملفات الأوراق العسكرية تم التبليغ عن هروب هذا الجندي ويقول الكاتب عنه: كنا نسخر من زملائه ونعيِّرهم به إذا ما أخطأوا الأهداف في الاشتباكات، وكانت في يده قبضة من طين الوطن وفي الأخرى قذيفة فارغة.
الفكرة من كتاب مذكرات جندي مصري في جبهة قناة السويس
على ضفة قناة السويس دارت رحى الحرب بين مصر وإسرائيل فيما يعرف بحرب الاستنزاف، أو حرب الألف يوم، وحدث العديد من المناوشات بين الفينة والأخرى، بالإضافة إلى بعض المعارك الصغيرة أو التسلل إلى الضفة المقابلة وإيقاع خسائر في الجيش المقابل، وقد كانت المدافع المصرية منصوبة في وجه المدافع الإسرائيلية في قطاع شرق الإسماعيلية حيث كانت كتيبة المؤلف؛ فيروي لنا أحداث ما رآه من هذه الحرب، وأحداث رفاقه وأحلامهم وطموحاتهم وحماسهم وبسالتهم وأيضًا خوفهم، وقد كتبها بدافع من يريد إظهار بطولات الجنود البسطاء المنسيين على الحدود حتى تشعر أنك ترى الحرب وأحداثها ماثلة أمامك لا كاتب ينقلها لك ويتأثر بانفعالاته وانحيازاته؛ إنها بحق عمل جليل.
مؤلف كتاب مذكرات جندي مصري في جبهة قناة السويس
أحمد حجي: كاتب، ولد عام 1941 بقرية ميت جراح بمحافظة الدقهلية، وتخرَّج في كلية الطب البيطري عام 1967، وبدأ نشاطه الاجتماعي في أواخر الخمسينيات، ففتح مدرسة لمحو أمية الفلاحين والعمال والنساء في قريته بالدلتا، وجُنِّد بالقوات المسلحة عام 1968 في مكان آمن بالقاهرة، لكنه طلب بنفسه الذهاب إلى الجبهة حيث تولى الشؤون الطبية في الكتيبة التي خدم بها على جبهة القناة حتى استشهاده عام 1972.
له مقالات في الثقافة والفن ومحو الأمية، نُشر أغلبها في مجلة “الطليعة”، وصدرت له عدة كتب، منها: “الكلمات والبارود”، و”الفلاحون والعمل السياسي”، و”محو الأمية عمل لا بد منه”، ومنعت الرقابة صدور كتابه “مذكرات جندي مصري في جبهة قناة السويس” عام 1972، ثم ها هو بين أيدينا الآن.