معضلة الاختيار
معضلة الاختيار
هناك نوع معين من القرارات يفرض نفسه بكثرة في الحياة العادية، ويتميز بأنه يتبع النمط ذاته دائمًا حتى إن علماء الرياضيات قاموا باستنتاج نموذج رياضي يمكنه المساعدة على اتخاذ هذا القرار بصورة مثالية. تسمى هذه المسألة “نظرية التوقف المثالي”؛ لا بد أنك اتخذت هذا القرار على الأقل مرة واحدة في حياتك، سواء أكنت تبحث عن شريك للحياة أم ترغب في شراء سيارة أو غيرها من العمليات التي تتطلب البحث والمرور بخيارات متعددة حتى تصل إلى القبول بأحدها أخيرًا.
قد يعتمد الاختيار على المقارنة المباشرة بين العناصر المتاحة أو يستعين ببعض المعايير الثابتة، كما أنه يختلف من حيث إمكانية استدراك أحد الاختيارات بعد تجاوزها أو خسارتها للأبد، وفي جميع هذه الأحوال، تخبرنا الرياضيات أن الفرصة الأكبر للتوقف عند أفضل الخيارات تتحقق بعد نحو 37% من المحاولات أو المدة الزمنية المستغرقة في البحث، بالطبع هذه النظرية لا تضمن الحصول على الأفضل دائمًا ولكنها تعد بالحصول عليه في 37% من الوقت؛ بغض النظر عن عدد الاختيارات المتاحة وهو ما لا يمكن أن تقدمه الطرق الأخرى المتبعة في الاختيار.
تستمر معضلة الاختيار في استهلاك قدراتنا الذهنية، فنجد أننا مضطرون يوميًّا لتقديم أحد خياري الاستكشاف أو الاستثمار على الآخر، هل تبحث عن هواية جديدة وتصنع أصدقاء جدد أم تستثمر وقتك في ما لديك بالفعل؟ الاستثمار والانتفاع بما جنيته بالفعل يبدو قرارًا جيدًا، والاستكشاف مصدر دائم للمعلومات والمنفعة المستقبلية، والمسألة تتعلق بالفترة الزمنية الفاصلة بين الفعلين، فعندما تمتلك الوقت لكي تجني الثمار يصبح الاستكشاف هو القرار الأكثر حكمة، أما إذا كانت هذه آخر زيارة لك في مدينة ما فلتَزُر مكانك المفضل.
بصورة أكثر جدية تظهر هذه المشكلة في المجال الطبي، حيث يصارع الطبيب المعالج بين الحاجة إلى وصف أكثر الأدوية فاعلية للمريض، وبين الرغبة في دفع مجال البحث والتجربة التي قد تأتي بنتائج أفضل مستقبلًا، وهو ما دفع عالم الرياضيات “جيتينز” لتصميم مؤشر لتحديد جدوى البحث أو الاستثمار عند الحاجة، ويختزل “مؤشر جيتينز” الصراع بين أهمية الاكتشاف وبين المنفعة الحالية للاستثمار التي تنخفض بمرور الوقت كما يوضح علم الاقتصاد، ولكن نموذج “جيتينز” ليس سهلًا من الناحية الحسابية، وتوجد خوارزميات أكثر عملية تلجأ إلى التفاؤل وترجح الاستكشاف إذا كان الأمر مبشرًا، وأخرى تفضل الاستثمار طالما هناك فائدة مستمرة ولا تنصح بالاستكشاف إلا عندما يفشل المألوف.
الفكرة من كتاب خوارزميات للعيش وفقًا لها: العلوم الحاسوبية للقرارات البشرية
يتخيل أغلب الناس أن الحواسيب الآلية هي آلات تؤدي بعض المهام عن طريق إجراء حسابات لا نهائية كما يوحي الاسم، ولكن علماء الحاسب سيخبرونك بقصة مختلفة كثيرًا.
فعلى سبيل المثال تتصف البرامج الحاسوبية بالكفاءة عندما تقوم بأقل عدد ممكن من العمليات الحسابية، وعند تصميم الخوارزميات تتم الاستعانة بعلوم الرياضيات والإحصاء لتصميم نماذج يمكنها حل المشكلات والاستفادة المثلى من الموارد المحدودة للحاسب، التي تتمثل في الوقت المستغرق في العمليات الحسابية، والمساحة المتاحة لتخزين البيانات المطلوبة.
وبإلقاء نظرة سريعة على أغلب المشكلات التي تواجه الأفراد في المجتمع، يمكننا تصنيفها إلى نوعين: الأول يختص بعلاقة الإنسان بنفسه وعناصر الطبيعة من حوله، والآخر ينشأ من ديناميكية العلاقة بين الإنسان والمجتمع، وتتشارك هذه المشكلات في أنها غالبًا ما تظهر نتيجة لطبيعة الوقت والمكان المحدودة، وبهذا يتبين أن الإنسان والحاسب عليهما مواجهة المعوقات والقيود نفسها التي تجعل اتخاذ القرارات السليمة أمورًا في غاية الصعوبة والتعقيد، وبخاصة عندما لا يتوافر القدر الكافي من المعطيات وتصبح الغاية هي محاولة الاقتراب من الحل الصحيح قدر الإمكان.
مؤلف كتاب خوارزميات للعيش وفقًا لها: العلوم الحاسوبية للقرارات البشرية
برايان كريستيان: هو كاتب وشاعر وباحث في علوم الحاسب، حصل برايان على البكالوريوس في مجالات الحوسبة والفلسفة من جامعة “براون”، وهو مؤلف الكتب: “The Most Human Human”، و”The Alignment Problem” التي تبحث في العلاقات بين الإنسان والآلة.
توم جريفيث: هو بروفيسور ورئيس معهد علوم المخ والإدراك في بيركلي، عمل مدرسًا مساعدًا بقسم علم النفس والعلوم المعرفية بجامعة “براون”. حصل “جريفيث” على الماجستير والدكتوراه من جامعة ستانفورد، ويدور عمله حول استخدام أساليب تعلم الآلة في دراسة المهارات الذهنية لدى الإنسان مثل التعلم والذاكرة وغيرها.
معلومات عن المترجم:
د. إيهاب عبد الرحيم علي: طبيب وكاتب ومترجم علمي مصري حاصل على بكالوريوس الطب والجراحة من جامعة أسيوط، عمل طبيبًا في وزارة الصحة المصرية ورئيس قسم التأليف والترجمة في مركز تعريب العلوم الصحية بالكويت.