معركة بروزة.. للتاريخ البحري
معركة بروزة.. للتاريخ البحري
لنتوقف لحظة وننظر إلى ما قد جدَّ على الساحة، فقد حانت لحظة حاسمة في تاريخ المعارك البحرية عمومًا، فإسبانيا التي كانت من أقوى دول العالم آنذاك لم تقبل أن يهدِّد أساطيلها الأتراك ولا بربروس، ليقوم الملك كارلوس الإسباني بجمع أساطيل البندقية وجنوة والبابوية وفلورنسا ومالطا وجعل “أندريا دوريا” قائدًا عليها، ووصل الأسطول بذلك إلى نحو ستمائة سفينة وستين ألف جندي، وبالمناسبة فالبحر المتوسط لم يشهد أسطولًا بهذه الضخامة منذ معركة “أكتيوم” البحرية التي دارت بين الرومان وكليوباترا، فيما لم يتخطَّ أسطول خير الدين مائة واثنتين وعشرين سفينة ونحو عشرين ألف جندي، وهنا تبدأ طبول المعركة الأشهر لبربروس؛ معركة بروزة.
علم بربروس أن السبيل الوحيد لهذه المعركة غير متكافئة الأطراف هو تنفيذ مناورة عسكرية تمثَّلت في أسلوب المفاجئة، إذ بدأ القتال في اليوم الذي لم يتوقعه القائد الإسباني وهو الثامن والعشرين من سبتمبر 1538م، وتمثَّلت نقطة قوة الجيش العثماني في حرية حركته واستطاعة بربروس إدارة قواته وقادته على كل جناح بشكل أفضل من الأسطول الصليبي مترامي الأطراف مختلف الألسنة، وبأسلوب الكرِّ والفرِّ بدأت المعركة الكبرى وأظهر العثمانيون تفوقًا واضحًا.
استمرت المعركة نحو خمس ساعات تم فيها تدمير ثلاث عشرة سفينة أوروبية وأسر ستة وثلاثين سفينة أخرى وثلاثة آلاف أسير أوروبي، وأعلن أندريا دوريا الانسحاب الكامل ليتم إعلان النصر لخير الدين بربروس الذي سرعان ما أرسل إلى السلطان العثماني يبشِّره بهذا النصر الكبير.
بالتأكيد لن يقنع الإسبان بإحكام العثمانيين سيطرتهم على البحر المتوسط، وفي الحقيقة فقد حاولوا مجددًا احتلال الجزائر بأسطول ضخم تخطَّى خمسمائة سفينة محملة بأكثر من ثلاثين ألف جندي، إلا أن الملك الإسباني مُني بهزيمة ساحقة من قِبل ابن بربروس “حسن باي” الذي دفعه إلى الانسحاب، وكُوفئ حسن برتبة قائد لواء بحرية بعد هذا النصر من قبل السلطان العثماني.
الفكرة من كتاب مذكرات خير الدين بربروس
في الوقت الذي علا فيه نجم دولة الإسبان التي أصبحت الأقوى في العالم باحتلال نصف أوروبا -ومنها الأندلس- واكتشاف العالم الجديد، جاء قائد بحري تركي ألبسها رداء الهزيمة وأذاق ملكها “كارلوس الخامس” مرَّ الهزيمة معلنًا سيطرة العثمانيين على البحر المتوسط.
أقام دولةً في الجزائر فأصبح ملكًا لها رغم تبعيَّته لآل عثمان، وعيَّنه السلطان قائدًا عامًّا للقوات البحرية العثمانية، فجاب البحر المتوسط طولًا وعرضًا، وأزعج وأغار على موانئ العدو وأساطيله، هو ضمن أشهر قادة عثمانيين اهتموا بإغاثة الأندلسيين؛ هو خير الدين بربروس.
مؤلف كتاب مذكرات خير الدين بربروس
خير الدين بربروس، هو قائد القوات البحرية العثمانية وحاكم الجزائر وواليها العثماني، اسمه الحقيقي خضر بن يعقوب، أسَّس هو وأخوه عرُّوج دولة بالجزائر ثم انضما بها تحت كنف الدولة العثمانية، وعملا على بدء رحلات الجهاد البحري وإنقاذ عشرات الآلاف من الأندلسيين الذين استغاثوا بهما من الإسبان، وتُعدُّ معركة بروزة الشهيرة أكبر انتصاراته على الإطلاق.
معلومات عن المترجم:
محمد دراج، هو أستاذ جامعي في علم التاريخ الحديث بجامعة الجزائر، حصل على الدكتوراه من جامعة مرمرة بإسطنبول، وله عدة مؤلفات بجانب أعماله في الترجمة أبرزها كتاب الدخول العثماني إلى الجزائر.