معجزة في الصغر.. معجزة في الكبر
معجزة في الصغر.. معجزة في الكبر
مما يركز الكاتب عليه هنا بشكل خاص المَاجَرَيَات السياسية والانشغال بها عن عملية الإصلاح والتغيير والانخراط فيها لغير المتخصصين والمؤهلين لذلك، ولضبط هذا الأمر وإيضاحه خصوصًا لطلبة العلم المبتدئين، ساق عدة أمثلة من مناطق مختلفة لعلماء مصلحين متوازنين في الانشغال بالمَاجَرَيَات السياسية والعمل، دعويًّا كان أو إصلاحيًّا أو فكريًّا، فمن النماذج العجيبة مثلًا في الجزائر، نموذج العالم المصلح البشير الإبراهيمي، ذلك العالم المتأصل على يدي عمه تأصيلًا يبدأ من سن السابعة، يصل فيه ليله بنهاره دراسة وحفظًا وفهمًا تساعده على ذلك ملكة الحفظ التي وُهبِها، والبرنامج الذي أعده عمه له وتولاه فيه ولاية شاملة، ليثمر ذلك التأصيلُ في ما بعد عبقريةً في محاولة الخلاص من الاستعمار الفرنسي للجزائر!
انظر كيف قادت خطوات التأصيل الأولى المنهجية والمستمرة إلى إنضاج نموذج شارك في المَاجَرَيَات السياسية، بفهم لتلك السياسات وطبيعية التعامل معها بشكل جذري صحيح لا بشكل شكلي خارجي لا يُعالج المشكلة من أصلها، فعمل وقتها مع من كان من علماء زمانه، كابن باديس مثلًا، على صناعة أمة بالمعنى الحرفي، وتأسيسها وبث روح العلم فيها وبناء المدارس وإلقاء الدروس والدعوة إلى معالي الأخلاق، ونصح طلبة العلم بالانشغال وصرف الأوقات في التعلم لا في متابعة السياسات التي تشتت عليهم أوقاتهم وجهودهم وتركها للمختصين، بل ولعلمه بأهمية التأثير الإعلامي أسس ومن معه من العلماء أيضًا صحفًا ومجلات، من أهمها مجلة “البصائر”، يكتب المقالات العلمية والوعظية ويهاجم فيها الطرق الصوفية الموالية للاستعمار والناطقة باسمه أحيانًا، ولم يكن يخاف في الحق لومة لائم فتجده ناقدًا لاذعًا يضرب بقلمه ولسانه ويسخرهما في سبيل إظهار الحق.
لم يسلم بالطبع، مع تحركاته الإصلاحية هذه في زمان الاستعمار، من الاضطهادات والتهديد والسجن والتعذيب والمراقبة وحتى النفي، ومع ذلك فقد قدم من خلال مسيرته التعليمية والإصلاحية نموذجَ عالمٍ فقيهٍ، تأسس بمنهجية ثم عمل وأصلح عن علم.
الفكرة من كتاب المَاجَرَيَات
بلهجة الناصح، وبأسلوب المنطق، وبالنماذج الواقعية التفصيلية، ينبه الكاتب بشكل خاص طلاب العلم ويهمس في آذانهم، أن حذارِ أن تضيعوا أوقاتكم وأعماركم على أرصفة المَاجَريات، وإن أردتم عملًا جادًّا وتأثيرًا حقيقيًّا وإنجازًا يُذكر فهَاكُم نماذج مساعدة!
مؤلف كتاب المَاجَرَيَات
إبراهيم السكران: تحول من الليبرالية إلى السلفية، باحث ومفكر ومحامٍ سعودي، لم يكمل العام في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن حتى غادرها إلى كلية الشريعة، لينال درجة الماجستير في السياسة الشرعية متوجهًا بعدها إلى بريطانيا، لينال أيضًا درجة الماجستير في القانون التجاري الدولي. له العديد من المقالات والمؤلفات، منها:
مسلكيات.
مآلات الخطاب المدني.
سلطة الثقافة الغالبة.