معالِم على طريق الدعوة
معالِم على طريق الدعوة
كيف يُدفع هذا الفجور إذًا؟ هنا يطرح الكاتب بعض المعالم التي يرى أنَّ الحركة الإسلامية في بلاد المغرب قد غفلت عنها، ومن تلك المعالم إنتاج الكلمة الدعوية وإيصالها إلى كل فئات المجتمع، فالكلمة هي صانعة الأثر، بل الكلمة هي الأثر ذاته الذي يبقى في الأذهان والنفوس ويُحرِّك الشعوب ويقودها نحو غايات السلطة، ومن النادر جدًّا أن تجد قائدًا لا يتمتع بلغة خطابية عالية ومؤثرة، لكن هذه المهارة لا تزال شبه منعدمة لدى دعاة الحركة الإسلامية في بلاد المغرب، أما عن المَعلم الآخر فهو إنتاج علماء شريعة بالمعنى الحقيقي لكلمة علماء، وذلك بأن يكونوا جامعين لأصول الشرع مدركين ثقافة العصر من حولهم مربين يتمتَّعون بالحكمة.
فبلاد المغرب تفتقر إلى علماء بتلك الأوصاف، ولعل آخرهم كان هو العلامة عبد الله كنون الذي وصفه الشيخ محمد الغزالي المصري بالشيخ الأديب، فإنَّ الأمة بأمسِّ الحاجة اليوم إلى مثل هؤلاء، ولن يحصل لها ذلك إلا بتغيير أنظمة التعليم عمومًا والتعليم الديني الجامعي على نحو خاص، وإذا لم تُعِر الأنظمة الدولية هذا الأمر اهتمامًا فإنه مما يقع على عاتق الحركات الإسلامية، وذلك مما يخدم العمل الإسلامي ويعود عليه بالنفع، ويكون ذلك مثلًا من خلال تفريغ الطاقات العلمية المتخصِّصة في العلوم الشرعية وتشجيعها للتخصصات الدقيقة، والتشجيع على إنشاء المعاهد الدينية لاستقبال حفظة القرآن واستكمال البناء المنهجي لديهم في العلوم الشرعية واللغة العربية ونحوهما.
وهناك مَعلَم آخر وهو إنشاء مراكز دراسات للحركات الإسلامية يقوم عليه متخصصون في شتى المجالات كالمجال الاجتماعي والنفسي والسياسي ونحوها بهدف دراسة الواقع والتغيرات على كل المستويات المحلية والدولية ودراسة الاحتمالات وتوقع المآلات ودراسة مدى تأثير الحركات الإسلامية بناء على مراجعة خططها واستراتيجياتها.
الفكرة من كتاب الفجور السياسي والحركة الإسلامية بالمغرب
“إنَّ العمق الإستراتيجي للدعوة والعمل الإسلاميين إنما هو تدين المجتمع، كما تبين أنَّ أخطر ما يهدِّد ذلك هو موجة الفجور السياسي المنظم.. إلا أنَّ الحركة الإسلامية بالمغرب وهي تقف إزاء ذلك كله تُعاني اضطرابًا في الفَهم أو في الوجدان النفسي…”، فبلغة النقد المغلفة بحرص المُحب وفقه العالِم وما للمعاتَب من خاطر يطرح الكاتب قضية الحركات الإسلامية ومواجهتها للفجور السياسي المتفشي في مجتمع بلاد المغرب على نحو خاص، إلا أنَّه وبالطبع كسائر كتاباته الماتعة فإن هذا الطرح المنظم المختصر يصلح لكل زمان ومكان.
مؤلف كتاب الفجور السياسي والحركة الإسلامية بالمغرب
فريد الأنصاري: عالم دين وأديب مغربي، حصل على الدكتوراه في أصول الفقه، وعمل رئيسًا لقسم الدراسات الإسلامية بكلية الآداب، جامعة مولاي إسماعيل بمكناس في المغرب، كان عضوًا في رابطة الأدب الإسلامي العالمية، ومن أعماله الأدبية: “كشف المحجوب”، و”ديوان الإشارات” و”ديوان المواجيد” و”كيف تلهو وتلعب”.