معارك الكسل
معارك الكسل
الكسل خسارة عاجلة في الدنيا، وحسرة لتفويت الخير الكثير من علم أو مال أو فرص، ويغدو المرء مغمورًا غير ذي أثر، أما الحركة والسعي فبهما تأتي البركة وتحل، ويجني المرء الخير، ويترقَّى مكانة، ويبقى ذكره، فحتى على نطاق الثروات تؤكد الدراسات أن معظم أثرياء العالم كانوا عصاميين، وأن أكثر من 9% من ورثة الملايين يستهلكونها بسرعة هائلة و5% فقط من يحافظون عليها، وعلى نطاق الدول فإن الكسل طريق انهيار الشعوب وسقوط الحضارات، فدولة صغيرة محدودة الموارد كاليابان صنعت اقتصادًا من أعظم الاقتصادات، بينما دولة إسلامية تتمتَّع بثروات لا حد لها مسلوبة الإرادة، ترتع في الفقر والفشل والخمول واختلال الأولويات، وقد سُئل بعض البرامكة عن سبب زوال ملكهم فقالوا: “نوم الغدوات وشرب العشيات”.
والكسل هو آفة العبادة كما يقول عبد الله بن عباس: “لكل شيء آفة، وآفة العلم النسيان، وآفة العبادة الكسل”، فترى المرء قد عزم على حفظ كتاب الله ثم لم يلبث أن توقَّف بعد شهر، أو هو في أول رمضان من الصائمين القائمين ثم لا يلبث أن يهوي في دركات المعاصي والآثام، ولو رأى الإنسان ثمرة استمراره وسعيه لما استسلم للكسل أبدًا، يقول الزمخشري: “التعبُّد يثقل على أهله كثقله في الميزان، والكسل يخفُّ على أهله كخفته في الميزان”.
والكسل مما يبغيه الشيطان من الإنسان، يقول رسول الله ﷺ: “يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم إذا هو نام ثلاثَ عُقَدٍ، يضرب كل عقدة مكانها: عليك ليل طويل فارقُدْ، فإن استيقظ فذكر الله انحلَّت عقدة، فإن توضَّأ انحلَّت عقدة، فإن صلَّى انحلت عُقَدُه كلها، فأصبح نشيطًا طيب النفس، وإلا أصبح خبيث النفس كسلان”، فهي جولة يومية بين الإنسان والشيطان.
الفكرة من كتاب الحرب على الكسل
الكسل هو التثاقل عن الأشياء المهمة، وهو داء يجر الوبال على صاحبه، إذ لا يأخذ من دنيا المرء فقط، بل من دنياه وآخرته كليهما، وكلما ازداد المرء كسلًا، أصابه الفراغ والتبلُّد، يقول الإمام الراغب: “من تعطَّل وتبطَّل انسلخ من الإنسانية، بل من الحيوانية، وصار من جنس الموتى، لأن الفراغ يبطل الهيئات الإنسانية، فكل عضو تُرِك استعماله يبطل، وكما أن البدن يتعوَّد الرفاهية بالكسل، كذلك النفس بترك النظر والتفكُّر تتبلَّد وتتبلَّه، وترجع إلى رتبة البهائم”.
مؤلف كتاب الحرب على الكسل
خالد أبو شادي: طبيب صيدلي وداعية إسلامي، ولد في مصر عام 1973، درس في الكويت ثم أكمل دراسته الجامعية بالقاهرة، له كتب ومحاضرات توعوية متميزة، وعُرف بعنايته بتزكية القلوب والجانب الإيماني، ويتميَّز أسلوبه بالسهولة والقرب لكثير من الشباب.
من مؤلفاته: “أول مرة أصلي”، و”ونَطق الحجاب”، و”صفقات رابحة” و”بأي قلب نلقاه”، و”هبِّي يا رياح الإيمان”، وله برنامج تلفزيوني بعنوان “وتستمر المعركة”.