مظاهر الوعي السياسي لدى المصريين القدماء
مظاهر الوعي السياسي لدى المصريين القدماء
على الرغم من تلك الفترة المبكرة في تاريخ البشرية فقد بلغ المصريون القدماء حدًّا بعيدًا من الوعي السياسي، ومن مظاهر ذلك أنه على الرغم من أن نظام الحكم في مصر القديمة كان ملكيًّا يعطي للملك سلطة إلهية، لم تكن هذه السلطة سلطة مطلقة، بل كانت مقيدة بتحقيق الملك للعدالة بين المواطنين كافة، لذلك تمسك الحكام بتطبيق العدالة وافتخروا بذلك، كما توصلوا إلى مفهوم الدولة المركزية وعلاقتها بالحكومة ومدى ارتباطها بالسلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية، وعلى خلاف الليبرالية -التي فشلت في الفصل بين السلطات الثلاث فجعلت السلطة التنفيذية هي المهيمنة- استطاعت الدولة في مصر القديمة تحقيق التوازن والفصل بينها.
لقد كان المصريون القدماء أول من أسس نظامًا سياسيًّا ومجتمعًا مدنيًّا قائمًا على الاحترام والتفاهم المتبادل بين السلطة والشعب، فأصبحت أول حضارة ينصهر في ظلها الشعب بأكمله من وادى النيل والدلتا إلى الجندل، تحت سيادة الملك رمز العدالة وراعيها، فسادت العدالة الاجتماعية والديمقراطية والرخاء الاقتصادي .
هناك نقطة هامة ساهمت في تشكيل الفلسفة السياسية للمصريين القدماء وهي ارتباط عقيدتهم السياسية بالأخلاق والإيمان بالآلهة، فإقامة العدالة في الدنيا تمنع غضب الآلهة في الحياة الأخرى، وأصبح هذا الربط هو أساس النظام السياسي والاجتماعي لديهم حتى في فترات الفوضى السياسية. لقد استطاع المصريون القدماء تلقين العالم كله كيفية الانتقال من الحياة البدائية إلى المجتمعات الإنسانية المتحضرة، كما يظهر في الفكر السياسي اليوناني وما اقتبسه من الفكر المصري القديم وبخاصة محاورات أفلاطون وأفكاره عن المدينة الفاضلة.
الفكرة من كتاب الخطاب السياسي في مصر القديمة
هذا الكتاب عبارة عن قراءة تحليلية لبعض النصوص التي توضح ملامح الفلسفة السياسية في مصر القديمة، فمصر أول من وضع دعائم الفكر السياسي وما ارتكز عليه من مبادئ كالعدالة الاجتماعية والديمقراطية، وأول من سطّر مفهوم الدولة المركزية والفصل بين السلطات.
لقد أظهرت الخطابات السياسية المحفوظة إلى أي مدى بلغ النضج السياسي للمصريين القدماء درجة غير مسبوقة، وكيف كان الاحترام متبادلًا بين الحكام والشعب حتى في الفترات السياسية المضطربة. هذه الفلسفة الراقية التي لم يعرفها العالم سوى في العصر الحديث استطاع المصريون القدماء تطبيقها منذ آلاف السنين.
مؤلف كتاب الخطاب السياسي في مصر القديمة
مصطفى النشار: أحد أهم المفكرين والفلاسفة المصريين المعاصرين، ولد عام ١٩٥٣م بالقاهرة، حصل على الدكتوراه في الفلسفة بجامعة القاهرة، عمل عميدًا لكلية الآداب بجامعة القاهرة، ثم عميدًا لكلية العلوم الاجتماعية بجامعة ٦ أكتوبر، نجح في تطوير البرامج التعليمية في العديد من الكليات والجامعات المصرية، وحصل على عدة جوائز علمية، منها الجائزة التقديرية لأفضل كتاب من مؤسسة الأهرام عام ٢٠٠٦م. له أكثر من خمسين مؤلفًا في الفلسفة، خصوصًا الفلسفة اليونانية والفكر المصري القديم، منها:
نظرية المعرفة عند أرسطو.
فلاسفة أيقظوا العالم.
ثقافة التقدم وتحديث مصر.