مظاهر التجديد في فكر دراز
مظاهر التجديد في فكر دراز
تظهر آثار التجديد جلية في جُلِّ أعمال دراز وبخاصةٍ في الدراسات القرآنية، حيث يمكن القول إنه أسَّس علمين جديدين هما: “أخلاق القرآن” وعلم “مصدر القرآن”، أما علم أخلاق القرآن فقد استوعب دراز ما كتبه السابقون في الشرق والغرب عن علم الأخلاق وقيَّمه، فمن الكتب التراثية ما يقدم النصائح ويحثُّ الناس على المثل مثل “مداواة النفوس” لابن حزم، ومنها ما يصف النفس ويصنِّف الفضيلة على طريقة أرسطو أو أفلاطون مثل “تهذيب الأخلاق” لابن مسكويه، أو يجمع بين الأمرين ككتاب “الذريعة” للأصفهاني و”الإحياء” للغزالي، لكن هذه الكتب خلاصة تأمُّلات ودراسات فلسفية لم تنطلق من القرآن؛ فالمباحث التي تناولت أخلاق القرآن تناولتها -في الجانب النظري- بصورة جزئية أو للبرهنة بها على فكرة سابقة ولم تصُغها بصيغة كلية تستند بكاملها إلى النص القرآني، أما كتب التراث الغربي فالنقص فيها أجلى وأعمق، وذلك بسبب التحيُّز الغربي ضد الإسلام والإهمال المتعمَّد للنظرية الأخلاقية في القرآن، والنظرة المحدودة وضعف الاستقراء للجوانب الأخلاقية في القرآن لدى المستشرقين، وساعد على ذلك سوء تذوُّقهم للغة العربية وتحريفات الترجمة، أما تجديد دراز فقد تناول منهجه التأصيل النظري لعلم الأخلاق، وهو فرع فلسفي أدخله لأول مرة في صلب الثقافة الإسلامية وصاغه بمضامين قرآنية خالصة، والمضمون الذي أبان فيه عن الرؤية القرآنية للأخلاق متمثلة في الإلزام، والمسؤولية، والجزاء، والدوافع، والجهد، موضحًا مدى رحابتها وتوازنها وانسجامها مع الفطرة.
وأما علم مصدرية القرآن فإن كان سبق إليه كثير من الأقدمين والمُحدِثين، فإن دراز وسَّع نِطاقه من مجرد الاقتصار على الجانب البلاغي واللغوي إلى كل ما يدل على المصدر الإلهي للقرآن وينفي عنه الصبغة البشرية، وابتكر منهجية للاستدلال تعتمد على السياق التاريخي والثقافي الذي نزل فيه القرآن، ولم يتجاهل دراز الإعجاز اللغوي في القرآن، بل أفرد له صفحات كثيرة في كتاب “النبأ العظيم”، لكنه تجاوز هذا الباب الذي أسماه “القشرة السطحية للجمال القرآني” إلى الإعجاز المعنوي الفكري الذي يدركه كل إنسان، وبذلك نقل القرآن من إطاره المحلي إلى السياق العالمي البعيد عن اللغة العربية، فكان كتابه “مدخل إلى القرآن الكريم” موجهًا بالأخص إلى القارئ غير العربي.
الفكرة من كتاب فيلسوف القرآن الكريم محمد عبد الله دراز: حياته وآثاره
عندما نتحدَّث عن الشيخ محمد عبد الله دراز فإننا نتكلم عن عَلَمٍ من أعلام المجددين المعاصرين، وعقلٍ من خيرة العقول المسلمة في القرن العشرين الذين لم ينالوا من الشهرة والانتشار ما يوازي مكانتهم العلمية والفكرية رغم أن أفكاره وكتبه لم تأتِ إلا بالطريف والجديد، وابتدع منهجية لم يسبقه إليها أحد من قبل في قضيتي مصدرية القرآن الكريم وعلم الأخلاق القرآنية، والمثير في حياة الشيخ دراز أنه من أولئك الذين درسوا في الغرب سنوات طويلة، فما رجع كغيره ناقمًا على الشرق وتراثه أو ظل متصلبًا على أفكاره فلم يستفد من علوم الغرب شيئًا، بل هضم علوم الغرب ووعاها أصولًا وفروعًا، ثم نقدها بقوة في عقر دارها مستمدًّا العون من ثقافته الشرعية الواسعة وعلمه الغزير الناصع؛ فأثار إعجاب الغربيين قبل أن يسمع به أبناء جلدته!
مؤلف كتاب فيلسوف القرآن الكريم محمد عبد الله دراز: حياته وآثاره
محمد بن المختار الشنقيطي: باحث أكاديمي وناشط سياسي ومؤلف موريتاني، وُلد سنة ١٩٦٦، يعمل أستاذًا مشاركًا في الأخلاقيات السياسية وتاريخ الأديان في جامعة حمد بن خليفة، وحصل على درجات علمية في الفقه والترجمة وإدارة الأعمال، وله إسهامات عن الربيع العربي والحضارة الإسلامية والحداثة الإسلامية، وتُرجمت مؤلفاته ودراساته إلى عدد من اللغات من بينها التركية والألبانية والفارسية.
من مؤلفاته:
– الخلافات السياسية بين الصحابة.
– البحث عن دين الفطرة.
– خيرة العقول المسلمة في القرن العشرين.