مضاعفات المستقبل
مضاعفات المستقبل
إن كلمة المستقبل بالصيغة المفردة تمثِّل سلطة وسيطرة على شكل المستقبل بطريقة ما، والأولى الحديث عن مستقبليات عدة، فليس ثمة صورة واحدة نتوقَّع أن تحدث مستقبلًا، وإنما هي صور متعدِّدة لا يمكن الجزم أيها سيقع، بل ربما لا يقع أيٌّ منها على الإطلاق!
تعدَّدت مناهج وأساليب استشراف المستقبل في النصف الثاني من القرن العشرين، وتعدُّ مؤسَّسة راند في الولايات المتحدة من أُولى المؤسسات التي حاولت إتقان التوقُّع عن طريق الاستناد إلى مناهج رياضية مستخدمة الحواسب الآلية، وقد صاحب هذا سيطرة المدرسة الوضعية العلمية، التي تعتمد المناهج التجريبية المستندة إلى قوانين نيوتن، والمناهج التي استخدمت لدراسة الظواهر الطبيعية صالحة لدراسة الظواهر الاجتماعية، ومنها هنا توقُّع المستقبل واستشرافه.
وظهرت انتقادات حادة فيما بعد للمدرسة الوضعية، مثل انتقادات توماس كون وكارل بوبر ويورجان هابرماس، وكانت الانتقادات تدور حول التعدُّدية في العلوم الاجتماعية، وكيف يكون العلم، وأنه ليس خطوةً فخطوة كما يريده الوضعيون، لكنه مجموعة من المعارف المتباينة، وصارت التعدُّدية السمة الأساسية للمدرسة سُمِّيت بـ”ما بعد الوضعية”.
وعقد المستقبليون أوَّل المؤتمرات العلمية لدراسة المستقبليات في أوسلو عام 1967، وكان التركيز على قضايا تفيد البشرية كلها، كالزحف العمراني على المناطق الخضراء، والجوع ونقص الغذاء، وانخفاض معدلات التعليم والهجرات المتزايدة، كل ذلك في إطار تبنِّي مبدأ أن “من لديه بصيرة تتعلَّق بالمستقبل يستطيع كذلك التحكُّم ببعض الحاضر”، ولا يعني هذا احتمال وقوع حوادث مستقبلية لم تكن في الحسبان، واستخدم باحثو المستقبل مصطلحات مثل “البجعة السوداء” و”البطاقات الهوجاء” لتصف أحداث المستقبل غير المتوقعة وغير المحتملة، لكنها ذات تأثيرات كبيرة عند وقوعها.
الفكرة من كتاب المستقبل: مقدِّمة وجيزة
تتعالى الأصوات بين الحين والآخر محذِّرة من الأخطار التي يحملها المستقبل كأزمات المناخ وتناقص مصادر الطاقة، إلا أن ثمة رأيًا آخر يرى أن المستقبل المظلم ليس حتميًّا، وأن الإنسان لديه قدرة على التدخُّل بطريقة إيجابية في الحاضر، مما يجعله يتلافى كوارث المستقبل!
يهدف هذا الكتاب إلى إبراز الأبعاد المختلفة لحقل الدراسات المستقبلية، الذي يعدُّ حقلًا أكاديميًّا عابرًا للتخصُّصات، فوعي الإنسان بأهمية استشراف ما سيحدث في المستقبل أدَّى إلى ظهور مقاربات متعدِّدة ومتنوِّعة يسهم فيها آلاف الأساتذة والباحثين والممارسين والطلاب من ثقافات شتى.
مؤلفة كتاب المستقبل: مقدِّمة وجيزة
جنيفر جيدلي: باحثة أسترالية في الدراسات المستقبلية وعلم النفس، وهي أستاذ مساعد في معهد المستقبليات المستدامة في سيدني، ورئيسة الاتحاد العالمي لدراسات المستقبليات.
صدر لها كتب عدة منها: “التعليم ما بعد الرسمي: فلسفة من أجل مستقبليات معقَّدة” و”سر نمو الأطفال المتفوقين”.