مشكلات الحركات
مشكلات الحركات
المعضلة مع هذه الحركات أنها تتبنَّى هياكل حداثية، وأهدافًا تراثية! فهي تستهدف إقامة الخلافة، وهو أمر حسن جميل، كيف لا وهو أحد واجبات الأمة من ناحية، وإحدى البشارات النبوية من ناحية أخرى، ولكن تريد بلوغ هذا الهدف بواسطة النطاق المركزي المادي في أهم تجلياته المعاصرة: الدولة القومية والأحزاب السياسية (لو كانت مدمجة في السلطة)، أو التنظيمات (لو كانت لم تصل بعد إلى السلطة!)، وأخيرًا الشركات في محاولة لإقامة هذه الخلافة المستحيلة.
وعلى الرغم من أنَّ معظم الحركات الإسلامية الحداثية في القرن الماضي أظهرت عدة محاولات للإفلات من تغوُّل النطاق المركزي الذي فرضته الدولة القومية الحديثة، ولكن لعدم وضوح “المعنى الوظيفي لمفهوم الخلافة”، وغلبة المفهوم السياسي والتباسه مع الكيانات السياسية القائمة، المتمثِّلة في الدولة؛ فقد أخفقت الحركات الإسلامية في استكمال الممارسة التراثية، أو النبوية على الحقيقة، لحساب الدولة!
وبدأت التنظيمات تظهر مشكلات نتيجة عدم فاعليتها في زيادة قدرة أعضائها على القيام بواجبات الأمة، لأنها تخفض مستوى التكليفات الفردية الربانية لأعضائها، لكنها فعالة في زيادة المشاركة في الانخراط في صفوفها.
إذ إنني بحكم انتمائي إلى تنظيم لديه رؤية شمولية ومتكاملة للإسلام، وبما أن هذا التنظيم له فروع في جميع أنحاء العالم، وبما أن العمل المؤسسي يستلزم الثقة بالقيادات وعدم تحصيل أي خلفية معرفية، أو مهارية غير لازمة لوظيفتي داخل التنظيم؛ إذن فالحرج الشرعي ساقط في حقي، ويمكن تتبُّع جميع التكليفات بالطريقة السابقة نفسها!
الفكرة من كتاب إسلام السوق
في القرون الماضية كان الإسلام العامل المحدِّد لكل المجالات على الأراضي الإسلامية، وهو المؤثر فيها باعتبارها خاضعة له لا العكس، وعلى الرغم من الاتفاق على أن الإسلام واحد لا يتبدَّل ولا يتغيَّر باعتباره شريعة إلهية، فقد بدأت تظهر بعض الاختلافات في فَهمه وفهم تأويلاته وتنزيلها على أرض الواقع فيما يُعرف بالتدين، نتيجة لاختلاف الثقافات ومدى قربها وبعدها عن أرض المنبع، لكن ظل الإسلام العامل الحاسم في تنظيم المجتمع وإدارته وسن قوانينه واتباع أحكامه، وهو العامل الحاسم في إضفاء الشرعية على الحكم السياسي للبلاد واعتبارها “دولة إسلامية” إن صح التعبير عن ذلك بمفهوم “دولة”، وهو ما يسلِّط هذا الكتاب الضوء عليه.
مؤلف كتاب إسلام السوق
باتريك هايني Patrick Haenni: باحث سويسري في العلوم الاجتماعية، وباحث سابق في مركز الدراسات والتوثيق القانوني(CEDJ) بالقاهرة، وباحث سابق في مرصد الأديان بسويسرا، وعمل بمنصب مستشار شؤون الشرق الأوسط في مركز (الحوار الإنساني)، وصدر له كتاب “ما بعد الإسلام السياسي” بالاشتراك مع أوليفييه روا، وكتابا “نظام الأعيان”، و”معارك حول الإسلام في الغرب”.
يمثل باتريك هايني جيلًا جديدًا من أجيال الإسلامولوجيين (المهتمين بالظاهرة الإسلامية)، وهو جيل يحرص أشد الحرص على الموضوعية العلمية والدراسة الوصفية والتحليلية البعيدة عن أي توظيف سياسي، وقد قضى وقتًا طويلًا في مصر وأقطار أخرى من العالم الإسلامي، وله صلات علمية وطيدة مع بعض التيارات الإسلامية في العالم العربي والإسلامي، فعاش حينًا من الدهر في القاهرة دارسًا، وتعلم اللغة العربية وتعرَّف من كثب على الإسلاميين، وتعرَّف أيضًا على الإسلاميين الإندونيسيين والأتراك.