مستويات العربية
مستويات العربية
وفي تقديمنا اللغة لمتعلمي هذا العصر لا بد أن ننتبه إلى أن اللغة مستويات ومراحل وليست وحدة واحدة؛ ففي امتدادها الأفقي لا يقدم نفس المنهجِ للفلاح والطبيب والإعلامي والمتخصص في النحو، وفي امتدادها الرأسي لا تُعامَل كل الظواهر اللغوية على مدى أكثر من خمسة عشر قرنًا نفس المعاملة.
ويمكننا أن نقسم المستويات الأفقية للمتعلمين إلى ثلاثة مستويات: أولها مستوى المتعلم العام الذي من حقه ومن واجبه أن يجيد أصول العربية المعاصرة، ولا يُعذر في تقصيره بأنه طبيب أو مهندس غير متخصص، ويمتدُّ التعلم في هذا المستوى إلى خارج المدرسة عبر وسائل الإعلام وغيرها مما يجب أن نهتم به لأنه يشكل الحس اللغوي للناس، فتصير العربية جزءًا من التعلم ذاته لا من التخصص فقط، ويحظى الجميع بأسس راسخة يمكنهم البناء عليها إن رغبوا أو احتاجوا، ثم يأتي مستوى المتعلم الخاص الذي يشمل دارسي العلوم الإنسانية التي تعد اللغة ركيزة أساسية فيها مثل القانون والإعلام والدراسات النفسية والتاريخية وغيرها، وفي هذا المستوى توضع المناهج لكل تخصص حسب ما يُلائمه وتُدرَس كأمر أساسي لا تكميلي، والمستوى الأخير هو مستوى المتعلم المتخصص، ويضم متخصِّصي اللغة العربية من المعلمين والباحثين والمراجعين وغيرهم، مع الإشارة إلى أن علينا إعادة النظر في آلية اختيار أولئك وفي المناهج التي يدرسونها.
أما المستويات الرأسية على مر الزمن فهي مستوى العربية التراثية التي يمكن أن نؤجل تعلم القواعد والأساليب التي لم ترد إلا فيها للمتعلم المتخصص، ثم العربية الوسيطة التي كانت في العصور المملوكية والتركية وإن وصفت بالتدهور فقد حملت إبداعات أدبية خاصة، ثم العربية المعاصرة التي يمكننا تصورها من خلال نصوص أدباء القرن العشرين مثل العقاد والزيَّات وطه حسين ونجيب محفوظ وغيرهم.
الفكرة من كتاب إنقاذ اللغة إنقاذ الهوية
اللغة العربية لغة عريقة، وهي من أطول اللغات عمرًا وأكثرها انتشارًا، وقد نالَت شرفًا كبيرًا حين نزل بها القرآن الكريم؛ ولم يعد الحفاظ عليها مرتبطًا بإرث لغوي فقط، وإنما بحفظ الوعاء الذي يحمل رسالة الإسلام. وقد مرت العربية عبر التاريخ بمراحل انتشار وازدهار استوعبت فيها عطاء اللغات والحضارات الأخرى، وبمراحل انحسار وذبول، والحرب التي نشهدها اليوم على لغتنا هي فصل من حكاية طويلة شهِد القرنان الماضيان على كثيرٍ من فصولها التي كتبها الاستعمار ليوهمنا أن التقدم لا يكون إلا بالقطيعة مع التراث، ذلك لأن الشعوب تُستعبد حين يُسلَب منها لسانها؛ وانطلاقًا من ذلك يتناول الكتاب مشكلة اللغة العربية التي هي مشكلة الهوية العربية من جوانب متعددة محاولًا رسم أُطُرٍ للحل.
مؤلف كتاب إنقاذ اللغة إنقاذ الهوية
الدكتور أحمد درويش: شاعر وناقد مصري، حصل على ليسانس في اللغة العربية وآدابها والدراسات الإسلامية، بتقدير ممتاز مع مرتبة الشرف الأولى وترتيبه الأول على الخريجين بكلية دار العلوم جامعة القاهرة عام 1967، ثم نال درجة الماجستير في الدراسات البلاغية والنقدية بتقدير ممتاز من نفس الجامعة عام 1972، ثم حصل على دكتوراه الدولة في الآداب والعلوم الإنسانية: تخصُّص نقد أدبي وأدب مقارن من جامعة السوربون في باريس عام 1982.
وهو عضو خبير في “مجمع اللغة العربية” بالقاهرة، وقد درَّس وحاضر في عدد من الجامعات والمعاهد، وفاز بجوائز عديدة من أهمها جائزة الدولة التقديرية للآداب من المجلس الأعلى للثقافة عام 2008.
له مؤلفات كثيرة، منها: “ثقافتنا في عصر العولمة”، و”خليل مطران شاعر الذات والوجدان”، و”في صحبة الأميرين أبي فراس الحمداني وعبد القادر الجزائري”، و”الاستشراق الفرنسي والأدب العربي”، و”نظرية الأدب المقارن وتجلياتها في الأدب العربي”، وديوان “أفئدة الطير”.