مستقبل علم الجينات
مستقبل علم الجينات
استكمالًا لما سبق ومنذ سبعينيات القرن الماضي، اتخذ الاتجاه العلمي شكلًا جديدًا تمثَّل في الشروع في التعديل واستنساخ الجينات بعدما كان مقتصرًا لفترة طويلة على الدراسة والاستنتاج، ويشير مصطلح الاستنساخ إلى عملية استخراج الحمض النووي من جسم الكائن الحي وتعديله معمليًّا باستخدام بعض الإنزيمات لتكوين جينات هجينة ثم إعادة إنتاجه بصورة مكثَّفة بواسطة البكتيريا، وبتوافر التكنولوجيا التي تسمح بتعديل الحمض النووي، تنبَّه المجتمع العلمي إلى مدى أهمية وخطورة التطبيق العملي لهذه الأفكار وكذلك التغيير الثوري الذي تعنيه لكل مجالات علم الأحياء، فبينما يمكن أن يؤدي التدخل البشري لتعديل الحمض النووي في الإنسان إلى إمكانية علاج الأمراض الجينية التي تستعصي على المركبات الكيميائية التقليدية، فإن الأضرار الناتجة عن الخطأ قد تكون كارثية ولا يمكن الرجوع عنها؛ كأن يتسبَّب التعديل في تنشيط نوع من السرطانات أو أي خلل جيني آخر، ولهذه الأسباب تم تنظيم مؤتمر عام لمناقشة الأخطار الحيوية المحتملة لتلك التكنولوجيا يُدعى Asilomar، والذي انتهى إلى أن العمليات الحيوية لا تتساوى في الخطورة، مؤكدًا الحظر التام لثلاثة أنواع من العمليات، وهي العمليات التي تتضمَّن جينات ذات وظائف سُمِّيَّة، أو الجينات المقاومة للعقارات الطبية، وأيضًا الجينات السرطانية، كما اقترح نصًّا أربع درجات لتصنيف هذه الأخطار، ولكن أهمية المؤتمر الحقيقية تمثَّلت في قدرة العلماء على التفاوض حول خيار التضييق على الحركة العلمية وتقييدها في سبيل استدراك الكوارث المحتملة قبل حدوثها حتى لا يترك الأمر لمن لا يملكون المعرفة الكافية.
وإلى جانب التكنولوجيا اللازمة لتعديل الجينات، تطوَّرت التكنولوجيا التي تتيح قراءة الجينات، والتي شكَّلت عقبة كبيرة بالنسبة للعلماء حتى ذلك الوقت، حيث لم تنجح الطرق التقليدية لعلماء الكيمياء في التعرُّف على التسلسل الصحيح لقواعد الحمض النووي، ما أوحى للعالم “سانغر” عام 1971 أن يقوم بقراءة الحمض النووي عن طريق التنصُّت على الإنزيم القائم بنسخ جزيء الـDNA في جزيء الـRNA بينما يقوم بكتابة القواعد الأربع بصورة متسلسلة، ومن ثَمَّ تمَّ التعرُّف على الجينوم الخاص ببعض الكائنات الحية مثل ذباب الفاكهة؛ ويمكن تعريف الجينوم على أنه موسوعة تحتوي كلَّ المعلومات الجينية التي تكوِّن الصفات الفيزيائية وتحمل التعريف الكامل للوظائف الحيوية للكائن الحي، وفي عام 2003 تم الإعلان عن انتهاء مشروع الجينوم البشري، ومن أهم نتائج هذا المشروع التوصُّل إلى العدد الكلي للجينات في الإنسان والذي يتراوح بين 21 إلى 32 ألف جين تقوم بوظائف الجسم كافة، وهذه الجينات تروي التاريخ الحيوي للإنسان باحتوائها جينات خاصة بالفيروسات التي أصابت الإنسان قديمًا وتم توارثها، وكذلك أيضًا الجينات غير النشطة، والتي تبدو حفريات كانت تعمل في الماضي ثم اندثرت، وتنتهي الكروموسومات بمواد تدعى “تيلوميرات” لحماية المادة الوراثية من التلف.
الفكرة من كتاب الجين: تاريخ حميم
في سبيلنا لفهم أي شيء، فإننا نقوم بتجزئته ودراسة الأجزاء بشكل دقيق، وطبيعة الأحياء لا تمثِّل أي استثناء لهذه القاعدة، فكما تمثِّل الذرة الوحدة الأساسية لعلم الكيمياء، فإن الجين يمثِّل وحدة البناء الأساسية لعلم الأحياء الحديث، وهو يوفِّر مجموعة من المبادئ التي تفسِّر طبيعة الحياة على المستوى الخلوي المحدود وكذلك المستوى التاريخي الواسع، ويسرد سيدهارتا السيرة الذاتية للجين كعضو جديد في تاريخ البشرية، لم يظهر منذ بعيد على الساحة العلمية ولا يزال خاضعًا للدراسة، إلا أن آثار معرفته تجاوزت الحدود الطبيعية للعلوم وصنعت أحداثًا اجتماعية وسياسية لا تُمحَى، وفي هذا الكتاب يشرح الكاتب الرحلة العلمية للجين من فكرة مجردة تحوَّلت بالبحث والتجربة إلى حقيقة علمية ذات خصائص دقيقة يمكنها أن تمتثل للدراسة والتعديل، موضحًا تأثيرها في الإنسان في جميع نواحي الحياة.
مؤلف كتاب الجين: تاريخ حميم
سيدهارتا موكرجي: هو عالم أحياء هندي أمريكي وباحث في مجال السرطانات، تتعلَّق أبحاثه بفسيولوجيا الخلايا السرطانية، والعلاج المناعي لسرطانات الدم، واكتشاف الخلايا الجذعية المكوَّنة للعظام والغضاريف في الهيكل العظمي للفقاريات، وقد درس سيدهارتا علم الأحياء بجامعة ستانفورد، وحصل على دكتوراه في الطب من جامعة هارفارد، كما أنه كاتب عمود في مجلة النيويورك تايمز ومؤلف كتاب “إمبراطور الأمراض: سيرة ذاتية للسرطان” الصادر سنة 2010، الذي فاز بجوائز أدبية بارزة، ويهدف سيدهارتا من خلال كتاباته إلى مشاركة الطبيعة المميزة لعلم الأحياء وتاريخه المليء بالأحداث مع القراء.
معلومات عن المترجِم:
إيهاب عبد الحميد: كاتب ومترجم مصري، تخرج في قسم اللغة الإنجليزية وآدابها في كلية الآداب بجامعة القاهرة، ثم أجرى دراسات حرة في مجال الترجمة بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، ومن ترجماته: “عدَّاء الطائرة
الورقية”، و”ألف شمس ساطعة”، و”الإنفلونزا العظمى”.