مستقبل الخوف
مستقبل الخوف
رأى الفيلسوف برتراند راسل أن الخوف مرتبط بالمجهول واللايقين، نحن نخاف مما لا نعرفه، ونرتعب من شعور فقدان السيطرة على مجرى الأحداث، ولكن راسل تفاءل كغيره، بقدرة المعرفة على هزيمة المجهول واللايقين، وبالتالي الانتصار على الخوف البشري، ولكن طموح راسل لم يتحقق، وتحول هدف المعرفة إلى فهم الخوف لإدارته فقط، وهو ما يدفعنا لطرح سؤال مهم، كيف نخاف في القرن الواحد والعشرين؟
يركز خطاب الخوف الحالي على المستقبل ويشبهه بالقنبلة الموقوتة، لأنه يمثل اللايقين والمجهول، فثقافتنا الحالية حولت المخاطر العالمية المستقبلية إلى أهوال وتهديدات، تتطلب إجراءات عاجلة لازمة لتفاديها، فمجرد حفلة شواء يمكن أن تتسبب في مخاطر بيئية، بالإضافة إلى ذلك، انتشرت نبوءات بعودة أمراض الماضي للظهور مثل الطاعون والجدري، لتستنتج البشرية بأن علاج الخوف يكمن في خوض سباق مع الزمن لنزع فتيل القنبلة الموقوتة. تسربت تلك القناعات إلى سلوك الأفراد وسياسات المؤسسات، ليحاول كل منها التنبؤ بالمستقبل لتفادي الأخطاء والتهديدات، والتركيز على كل قرار أو تصرف مهما كان صغيرًا، ذلك الاستشراف لأحداث المستقبل، سيطر عليه جو تشاؤمي سوداوي، استغله مروجو الخوف للانتفاع.
لماذا نخاف من المستقبل؟ لفهم هذا السؤال علينا الإجابة على ثلاثة أسئلة أخرى تحدد علاقتنا بالمستقبل، أولها هل يشبه المستقبل الحاضر؟ قطعًا لا، إن معدل التغيير يفوق خيالنا، ونحن عاجزون عن إيجاد المخارج، وفي ظل غياب إطار تفسيري للايقين، فإننا عرضة لصدمات المستقبل، أما السؤال الثاني فهو هل المستقبل قابل للفهم؟ لقد فشلت المعرفة، وخسرت سلطانها على العقول، ونشعر بالقلق من قدرة التعليم على المواكبة، مما يجعل المستقبل مثل أرض مستعصية على الفهم، لنصل إلى السؤال الثالث والأهم، هل يمكننا التأثير في المستقبل؟ تضاءلت قدرتنا على التأثير في التغيير، الذي انفصل كسلطة مستقلة، وصارت سيرورة حتمية سريعة ومدمرة، يشعر الناس بالعجز والضعف في سيرهم نحو التهلكة، ويختفي أي أمل للنجاة.
الفكرة من كتاب كيف يعمل الخوف؟ ثقافة الخوف في القرن الواحد والعشرين
انتشر مصطلح ثقافة الخوف في أدبيات علم الاجتماع، وزادت نسبة الاهتمام به، وبذل عدة باحثين مجهودات ضخمة لتتبع الخوف، وتحديد مظاهره وسماته وتاريخه، وكلما تعمقوا في البحث، تيقنوا أن للخوف تأثيرًا ضخمًا على حياتنا وعالمنا، بل قد يصبح الدافع الوحيد أما البشرية للتحرك إلى الأمام.
كيف نخاف؟ ومما؟ وما الذي يصنع مجتمعا خائفًا وآخر شجاعًا؟ وهل تغير خوفنا بتقدم العلم والمعرفة؟ ألم تعدنا الحضارة بالقضاء على الخوف، وبمستقبل خال من التهديدات؟ فما الذي تغير؟ سنجيب عن تلك الأسئلة رغبةً في فهم الخوف في القرن الواحد والعشرين، لعلنا نتمكن من إدارته وتنظيمه.
مؤلف كتاب كيف يعمل الخوف؟ ثقافة الخوف في القرن الواحد والعشرين
فرانك فوريدي: عالم اجتماع مجري ولد في بودابست بعام ١٩٤٧م، هاجرت عائلته من المجر إلى كندا بعد انتفاضة ١٩٥٦م الفاشلة، وحصل على درجة البكالوريوس في العلاقات الدولية في جامعة ماكجيل، ثم انتقل ليعيش في بريطانيا منذ عام ١٩٦٩م، ثم حصل على درجة الماجستير في السياسة الأفريقية من كلية الدراسات الشرقية الأفريقية، أتبعها بحصوله على درجة الدكتوراه من جامعة كينت عام 1987م. كرس عمله الأكاديمي لدراسة الإمبريالية والعلاقات العرقية واستكشاف علم الاجتماع، مؤلفا عدة كتب مثل:
أين ذهب كل المثقفين؟
سياسة الخوف.
معلومات عن المترجم:
كريم محمد: كاتب ومترجم مصري، من أعماله:
حتى تنطفئ النجوم.
سوف ننجو بأعجوبة.