مسئولية المثقَّف
مسئولية المثقَّف
لا شك أن المسئوليات التي تقع على كاهل المثقف مسئوليات عظيمة تجاوز قدرَ مسئوليات باقي الفئات في المجتمع لأن المثقف هو المسئول عن تغيير المياه الراكدة وبداية تغيير الأوضاع السيئة، لذا فهو ليس كالعاميِّ يتأثَّر بغيره وليس كالعلماء المتخصِّصين ممن هم أسرى لعلمهم ومفاهيمهم، فالمثقَّف قادرٌ على أن يبعث الوعي من مرقده ويحرِّكه من مسكنه، أما الباقون فقد يسقطون لجهلهم في حين أن المثقفين ينقذونهم من ذلك الجهل.
إن الهدف الأسمى للمثقف هو تفسير انحطاط المجتمع وركوده وتأخره وتحديد عوامل النهضة الحضارية اللازمة لتهيئة التربة الخصبة لنموِّها بدوره الفكري العقلي التوعوي، فالمثقَّف بعلمه وفكره يشعر بما لا يشعر به الآخرون فيسعى جاهدًا لنقل أحاسيسه وشكوكه إلى مجتمعه، فيتنبَّهون إلى قضايا لم تكن يومًا تشغلهم حتى وإن كانت تلك القضايا موجودة يراها كل شخص رأي العين؛ فهناك فرق بين الوجود والإحساس، ومن الممكن أن توجد متناقضات كثيرة، لكن لا تدفع الناس إلى الحركة لأنها لم تشغل إحساسهم وتحتل وعيهم بعد!
كما حدث في أوروبا فقد ظل الناس ألف عام تحت ظاهرة التسلُّط الديني، لكنَّهم لم يحرِّكوا ساكنًا إلا حينما تمكَّنت القضية من وعيهم وسرقت أفئدتهم وحدث التصادم النفسي الداخلي.
من أهم أدوار المثقف تحديد المنطلقات والبدايات وتهيئة ذاته وبناء شخصيته تبعًا لذلك فينبغي تحديد المرحلة التي يمر بها المجتمع، فهل هي مرحلة نهضة وتقدم أم ترجمة ونقل، أم مرحلة إصلاح ديني أم مرحلة اقتصادية تتسلَّط فيها البرجوازية الكبرى على الشعوب؟ كما يجب أن يكون عالمًا بطبيعة النمط الثقافي السائد والروح الغالبة على المجتمع، فهل هو نمط فلسفي كما كان الحال في اليونان أو نمطٌ فنيٌّ وعسكريٌّ مثلما كان في الرومان أو نمطٌ دينيٌّ إسلاميٌّ كما هو في الشرق، والهدف من ذلك أن يدرك المثقف مدخله إلى عقول الناس في الشرق، فلا يمكن أن يكون المدخل هو تغيير في الدين أو تركه لأن الدين الإسلامي ليس عامل انحطاط وتضليل وصرفٍ عن الدنيا إلى الآخرة، بل يجمع بينهما، وبناءً عليه يبدأ المثقف من الدين ليحرِّر الناس ويهديهم السبيل، وحينها فقط يتجمَّع له الإيمان والمحبة والحماس لتنوير الأفكار والأذهان.
الفكرة من كتاب مسؤولية المثقف
“إن مسؤولية المثقف في زمانه هي القيام بالنبوة في مجتمعه حين لا يكون نبي”.. هكذا يصف الكاتب دور المثقف في مجتمعه، وأنه مُحمَّل برسالة ثقيلة تجاه مجتمعه عليه أن يؤديها بصدقٍ وإخلاص، ويُعرِّف ماهية المثقف ثم يشرح تاريخيًّا واجتماعيًّا كيف انتقل ذلك المفهوم من الغرب إلى الشرق وكيف استقبلناه؟ مبينًا مسئولية المثقف الأساسية ومفسرًا شكل العلاقة بين المثقف والمجتمع والخصائص اللازمة لنجاحه في التأثير والتغيير.
مؤلف كتاب مسؤولية المثقف
علي شريعتي Ali Shariati: مفكر إيراني إسلامي، ولد عام ١٩٣٣، في مدينة خُراسان، وتُوفِّي عام ١٩٧٧، تخرج في كلية الآداب وذهب في بعثة إلى فرنسا في عام ١٩٥٩ لدراسة علمي الأديان والاجتماع ليحصل على شهادتي دكتوراه في تاريخ الإسلام وعلم الاجتماع، عمل سياسيًّا ومترجمًا وعالم اجتماع وفيلسوفًا ومفكرًا.
له مؤلفات عديدة؛ أهمها:
دين ضد الدين.
العودة إلى الذات.
النباهة والاستحمار.
الإسلام ومدارس الغرب.