مسؤولية العلماء والمجتهدين والعامة
مسؤولية العلماء والمجتهدين والعامة
بعد أن شرح لنا الكاتب كيف يجب أن نتعامل مع الخلاف نفسه، يوضِّح لنا الأسباب المنطقية لحدوث خلاف بين العلماء والمجتهدين ليغيِّر للعامة نظرتهم إلى الخلاف ويمنع التحزُّب والتحيُّز، فتبدأ الأسباب بعدم ثبوت الدليل أو عدم دلالته على المقصود أو عدم الوصول إليه، فقد يصل الدليل إلى بعض الصحابة ويخفى عن غيرهم، فكيف يكون حال التابعين ومن تبعهم إلى عصرنا الحالي؟ حتى كان الإمام الشافعي يسأل الإمام أحمد إن صح عنده حديث فليأته به حتى يرجع إليه.
ومن الممكن أن يصل الدليل إلى العالِم لكن ينساه، أو حتى عند ثبوت الدليل قد يجد دليلًا آخر معارضًا له، ويختلف مقدار العلم حتى إنك لتجد من المجتهدين من يغيِّرون أقوالهم كلما زاد علمهم فيعترفون بخطئهم وحماسهم، وأيضًا تفاوت الظروف الإنسانية والبيئات والعصور، وما يناسبهم من أحكام الشريعة التي تكون مرنة ومتسعة لتستوعب تغيُّر الزمان والمكان وتراعي ضعف البشر وظروفهم، وأسوأ الأسباب من يختلف لهوى أو لتعصُّب.
ولهذا وقعت مسؤولية كبيرة على عاتق العلماء لأنهم متبعون، لذلك وجب عليهم تحري الدقة في الأدلة والتحقيق فيها وعدم محاولة إثبات صحَّة بعض الأقوال المناسبة لهواهم بأدلة ضعيفة، وهذا يجعلهم أيضًا يتركون الأقوال الشاذة التي لم يرجِّحها العلماء وعدم الاختلاف مع أي إجماع قطعي إلا بعد مراجعة إذا كان العلماء قد اختلفوا فيها من قبل أم لا؛ حيث يقول الإمام أحمد: “من ادَّعى الإجماع فهو كاذب، لعلَّ الناس اختلفوا وهو لا يعلم”، حتى لو كان هذا الإجماع من الأئمة الأربعة يمكن أن يختلف فيه الفقهاء السبعة، لذلك يجب البحث دائمًا.
أما مسؤولية العامة فتبدأ بعدم تدخلهم فيما لم يحيطوا به علمًا؛ فالمسلم يحتاج إلى معرفة الأحكام التي تفيده في حياته، أما المسائل العامة والخلافات فهي لأهل العلم فقط لأنها أمانة، كما أن هناك أمورًا يكون حكمها مترددًا بين الكراهة والتحريم، فمن الورع تركها، وأمورًا تقع بين الوجوب والاستحباب، فمن الورع فعلها.
الفكرة من كتاب كيف نختلف؟
“إن أمة مشتَّتة، متفرِّقة القوى، متضادة الاتجاهات، مختلفة الأهداف والرُّؤى؛ لا يمكن أن تكون قويةً، ولا أن تحمل دينًا، ولا أن تقيم دنيا”.. بهذه المقولة انطلق الشيخ سلمان العودة في كتابه هذا ليحفِّزنا على الاختلاف برُقي، وأن يكون خلافنا في الرأي فقط مع وحدة الصف والقلوب.
ويتناول الشيخ محاولة لإعادة صياغة منهجية التفكير للعقل المسلم في قضية الاختلاف وما يتعلَّق بها من إشكالات وتعقيدات، ويشرح مفهوم الاختلاف وأسباب نشأته وآدابه وحدود الاختلاف المقبول؛ إذ إن الاختلاف وتعدُّد الرؤى لم يسبِّب مشكلة للعقل المسلم إلا في عصور الضعف والجمود سواء على مستوى الأشخاص أم الأمم، حتى كان تقبُّل الاختلاف والتجديد دليلًا على مرونة الأمم وتقدُّمها، وأن الاختلاف يجب فقط أن يُجلي الحق ويؤلف القلوب.
مؤلف كتاب كيف نختلف؟
سلمان بن فهد بن عبد الله العودة: عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين وعضو مجلس أمنائه، وأستاذ جامعي ومفكر سعودي ولد في ديسمبر 1956، وحصل على ماجستير في السُنَّة في موضوع الغُربة وأحكامها، ودكتوراه في شرح بلوغ المرام “كتاب الطهارة”.
وكان من شيوخ الصحوة، إذ شارك في برامج تلفزيونية للدعوة والإصلاح مثل برنامج “وسم”، وبرنامج “إشراقات قرآنية” و”حجر الزاوية”، وقد اهتم بموضوع الاختلاف في العديد من مؤلفاته مثل: “ولا يزالون مختلفين”، “الأمة الواحدة” ، “مقولات في فقه الموقف”، كما كان له العديد من المؤلفات المتميِّزة مثل: “أنا وأخواتها”، و”علمني أبي”، و”لو كنت طيرًا”، و”بناء الفرد”.