مسألة الحجاب
مسألة الحجاب
اعتبرَ الكاتبُ أنّ الحجابَ هو غطاءُ الرأس؛ وليس إخفاءَ الوجه. وقال بأنه من الطبيعي النظرُ لوجهِ المرأةِ عند التعامُلِ معها عمومًا، وفي المواقفِ الحياتيةِ الخاصة؛ كالتقدُّمِ لطلبِ الزواجِ أو الشهادةِ في أمرٍ ما، واقترحَ على كل من يَخافُ على نفسِه، بمن يُفتتنَ ويَضْعُفُ من الرجالِ بأن يغضّ بصرَه؛ فخوفُ الفتنةِ هو أمرٌ يتعلقُ بقُلوبِ الخائفينَ من الرجال، وليس على النساءِ تقديرُه، ولا هُنّ مُطالباتٌ بمعرفَتِه.
قائلا: “عجباً! لِمَ لمْ تؤمَر الرجالُ بالتبرقعِ وسترِ وجوههم عن النساء، إذا خافوا عليهن؟ هل اُعتُبِرت عزيمةُ الرجلِ أضعفَ من عزيمةِ المرأة، واعتُبرَ الرجلُ أعجزَ من المرأةِ عن ضبط نفسِهِ والحكمِ على هواه، واعتُبرت المرأةُ أقوى منه في كل ذلك؛ حتى أُبيح للرجال أن يكشفوا وجوهَهُم لأعين النساء، مهما كان لهم من الحُسن والجمال؟”.
إن الانتقابَ والتبرقُعَ ليسا من المشروعات الإسلامية؛ لا للتعبُّدِ ولا للأدب، بل هما من العاداتِ القديمة السابقةِ على الإسلام، فنحنُ لا نجِدُ نصاً في الشريعة، يُوجِبُ الحجابَ على هذه الطريقة المَعهودة، وإنما هي عادةٌ عُرِضَتْ علي الأمَّةِ من مخالطةِ بعضِ الأُمَمِ؛ فاستحسنوها وأخذوا بها، وبالغوا فيها، وألبسوها لِباسَ الدين؛ كسائرِ العاداتِ الضارّة؛ التي تمكنت في الناس باسمِ الدين، والدينُ براءٌ منها.
ويضيف “أمين”: “إن مسألةَ الحِجابِ -الحقيقي- مرتبطةٌ بتربيةِ المرأةِ وتعلُّمِها؛ فلا ينبغي النظرُ إلى حجابِ المرأة على أنه (مُوجِبُ العِفّة، وعدمَهُ مَجلَبَةٌ الفساد) لأن العفة مَلكَةٌ في النفس، لا ثوبٌ يختفي دونَهُ الجِسم”. وهكذا فإن ما يكسِبُ المرأةَ المناعةَ من كل الانحرافات، ليس هو الحجاب، بل التربية والتعليم، اللذان يكسِبَانِها الوعيَ بما يليقُ وبما لا يَليق”.
الفكرة من كتاب تحرير المرأة
بالرُغم من أنّ هذا الكتاب طُبِعَ عام ١٨٩٩م، إلاّ أن كاتبَهُ قد نجَحَ في طرحِ مَواضيعَ، لا تزالُ ذاتَ أهميةٍ إلى يومِنَا هذا.
يرى “قاسم أمين” أن هناك تلازُمًا بين انحطاطِ المرأةِ، وانحطاطِ الأمةِ وتوحُّشِهَا، وبين ارتقاءِ المرأةِ وتقدُّمِ الأمةِ ومَدَنيتِها؛ فهو يُؤسِّسُ دعوتَهُ لتحريرِ المرأةِ المصريةِ ـ والعربيةِ بالضرورة ـ على أهميةِ ذلك، للأمم.
كما يرى أن إنصافَ المرأةِ في التعليم؛ شرطٌ أساسيٌ لبناءِ شخصيتِهَا ومُمَارسةِ دَورِهَا في المجتمع، ويطلبُ من الحكومةِ السعيَ لإصدارِ القوانينَ التي تضمنُ للمرأةِ حُقوقَهَا؛ بشرط أن لا تخرجَ هذه الحقوقُ عن الحدودِ الشرعية.
مؤلف كتاب تحرير المرأة
وُلِدَ “قاسم أمين” عام 1863م، لأبٍّ تركي عثماني، وأم مصرية من صعيد مصر، وتمكّنَ بفضل وضعِ عائلتِهِ الاجتماعية، التي كانت تتسِمُ باليُسْرِ والدَعَة، من أن يتدرجَ بسُهُولةٍ في كل مستوياتِ التعليم؛ حتى تخرّجَ في كلية الحقوق، وهو لا يتجاوز العشرين عامًا، عَمِلَ بالقضاء بعد عودته من بعثةٍ دراسية لفرنسا، وساهمَ في الدعوةِ لإقامةِ الجامعةِ المِصْرية.