مركز المجتمع النابض
مركز المجتمع النابض
وتستمر مظاهر ذلك الفجور حتى تنال المجتمع بأقطابه الثلاثة: أسرة وامرأة وشارعًا، أما عن المرأة فهم يُنَصِّبون أنفسهم دعاة ومدافعين عن حقوقها وحريتها، فعن أي حرية يتحدثون وهم الذين ينظرون إليها باعتبارها خطيئة ومشاعًا جسديًّا فحبسوها في الجسد وعرَّفوها من خلاله واستعملوها كوسيلة دعائية لبث أفكارهم بل ومنتجاتهم المادية، ومن المرأة إلى الأسرة، وماذا بقي من الأسرة أصلًا لنتحدث عنه إن هم هدموا أحد ركنيها! والأسرة أحد المحاضن التربوية الأصيلة للحفاظ على التدين في المجتمعات، فإذا انهدمت انهدم صرح عظيم وملجأ آمن للأفراد والمجتمعات.
تنشأ الأسر من اتحاد نفسين ذكر وأنثى، بل هما نفس واحدة في الحقيقة ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً﴾ تلتحمان بميثاق غليظ مقدس لا ينفك بسهولة، ونتيجة لهذا التلاحم تجد معاملات وروابط تنشأ من علاقة الزواج في الإسلام لم تكن تنشأ لولا هذا الرباط، وتضحيات يُدفع بها في سبيله لا يظن الإنسان نفسه أن كان ليَقدِم عليها إلا داخل هذا الصرح المقدس، فعلاقة الزوجية في الإسلام إذا نشأت على نحو صحيح وأثمرت عن ذرية ترعرت تحت ظلال الدين أورث ذلك الوضع في نفوس أصحابه استقرارًا وسواءً نفسيًّا وثباتًا أمام البلايا والمصائب ونضجًا في تقبُّلها والتعامل معها.
وعلى النقيض تمامًا الأسرة في الغرب، بَدءًا من علاقة الرجل بالمرأة في المطلق ثم علاقته بها داخل إطار الزواج، الزواج نفسه في الغرب ليس زواجًا حقيقيًّا، ليس استقرارًا أسريًّا وإنما هو استقلال فردي على الحقيقة سواء على المستوى المادي أو على مستوى العلاقة بينهما أو استقلال كل واحد بعلاقة أخرى خارج إطار الزواج عدا في المجتمعات المحافظة نسبيًّا، فمفاهيم كبر الوالدين وخدمتهما ومحبتهما وطاعتهما لوجه الله وتعدي ذلك البر لوالدي الزوج وأقاربه لا تكاد تجد لها حضورًا في الواقع الغربي، لأنه لا أساس من البداية يضمن التضحية والاستمرارية لمثل تلك العلاقات، وأما الشارع فليس ببعيد عنهما.
الفكرة من كتاب الفجور السياسي والحركة الإسلامية بالمغرب
“إنَّ العمق الإستراتيجي للدعوة والعمل الإسلاميين إنما هو تدين المجتمع، كما تبين أنَّ أخطر ما يهدِّد ذلك هو موجة الفجور السياسي المنظم.. إلا أنَّ الحركة الإسلامية بالمغرب وهي تقف إزاء ذلك كله تُعاني اضطرابًا في الفَهم أو في الوجدان النفسي…”، فبلغة النقد المغلفة بحرص المُحب وفقه العالِم وما للمعاتَب من خاطر يطرح الكاتب قضية الحركات الإسلامية ومواجهتها للفجور السياسي المتفشي في مجتمع بلاد المغرب على نحو خاص، إلا أنَّه وبالطبع كسائر كتاباته الماتعة فإن هذا الطرح المنظم المختصر يصلح لكل زمان ومكان.
مؤلف كتاب الفجور السياسي والحركة الإسلامية بالمغرب
فريد الأنصاري: عالم دين وأديب مغربي، حصل على الدكتوراه في أصول الفقه، وعمل رئيسًا لقسم الدراسات الإسلامية بكلية الآداب، جامعة مولاي إسماعيل بمكناس في المغرب، كان عضوًا في رابطة الأدب الإسلامي العالمية، ومن أعماله الأدبية: “كشف المحجوب”، و”ديوان الإشارات” و”ديوان المواجيد” و”كيف تلهو وتلعب”.