مرقاة الحقيقة الفلسفية
مرقاة الحقيقة الفلسفية
بين مطرقة العقل وسندان الوجدان دارت رحى المناقشات بين الفلاسفة حول ماهية الحقيقة، فبعضهم قرر أن إدراك الحقائق يرجع في الأساس إلى العقل، وعلى النقيض أفضى البعض الآخر بحقيقة الأشياء إلى الوجدان والمشاعر، كما وصلت خلافاتهم إلى طبيعة عملية إدراك الأشياء نفسها، فبعضهم أوضح أنها مرادفة لحقائق الأشياء في عالم الواقع باختلاف المحل فقط، في حين أننا نجد على الجانب الآخر بعض الفلاسفة يفرِّق بين مجرد إدراك الأشياء في الذهن البشري وبين الأشياء في حد ذاتها، فالأولى ليست إلا مجرد مثال فقط للثاني، ومن ثَمَّ ليس ثمة تطابق تام بينهما، ويلاحظ أن الفلسفات العقلية إنما تقتصر على بعض الأفراد فلا تجد طريقها إلى العامة، أما الفلسفات الوجدانية فهي شعبية على الدوام، ومطية لاندفاعات أولئك الذين يُشكِّل العقل رادعًا لهم.
على الجانب الآخر نجد مجموعة من الفلاسفة أسَّسوا ما يُعرَف بمذهب الفلسفة النفعية، وهؤلاء تجنَّبوا الصراع القائم حول حقيقة الأشياء واتجهوا إلى البحث عن فائدتها النفعية، فهم يرون أن إثبات الحقيقة للأشياء هو أمر صعب المنال، ولكن في الوقت نفسه لا يخلطون بين منفعة الشيء وحقيقته، ولكنهم يرون معيار المنفعة أرشد في الحكم على الأشياء فغدت بذلك كلمة الحقيقة في تصورهم مرادفة لمعنى كلمة الفائدة أو المنفعة، من هنا كان معيار السعادة واللذة حاكمًا على مدى صحة وبطلان العقائد والأخلاق، فالدين أو الخلق إنما يكون صحيحًا إذا ما جعل الإنسان سعيدًا والعكس صحيح، وعلى هذا المذهب كانت بعض الأوهام أصح من العديد من المعتقدات، وقد يصلح هذا المنحى الفلسفي من الناحية الاجتماعية، ذلك أن مصلحة الجماعة هي الحاكمة، بيد أن ذلك الأمر لا يصلح تطبيقه على المستوى الفردي حيث تختلط الأمور وفق الأهواء ويفقد النسيج المجتمعي لُحمته.
الفكرة من كتاب حياة الحقائق
يعتري البشر العديد من الاحتياجات المادية والنفسية، ويبدو أن الاحتياج النفسي إلى فكرة وجود الإله أضحى من الإلحاح ما دفع الإنسان إلى محاولته الارتكان إلى أوهام دينية ليقبع مختارًا في حظيرة العبودية..
يتحدث غوستاف لوبون عن المقدسات الثلاثة للشعوب والمتمثلة في الروح الدينية والأخلاق والفلسفة المعرفية، ويتناول كلًّا منها بالشرح والمثال، باحثًا عن مصادرها ونتائجها التي وجَّهت البشر عبر التاريخ، فلو نظرت إلى تعاقب نتائج تلك الحقائق الثلاث لم تجد الحاضر إلا وليد الماضي.
مؤلف كتاب حياة الحقائق
غوستاف لوبون Gustave Le Bon: طبيب ومؤرخ فرنسي، وواحدٌ من أشهر المؤرخين الأجانب الذين اهتموا بدراسة الحضارات الشرقية والعربية والإسلامية، ولد في مقاطعة نوجيه لوروترو، بفرنسا عام ١٨٤١م، ودرس الطب، وقام بجولة في أوروبا وآسيا وشمال أفريقيا، وأنتج مجموعة من الأبحاث المؤثرة عن سلوك الجماعة، والثقافة الشعبية، ووسائل التأثير في الجموع، ما جعل من أبحاثه مرجعًا أساسيًّا في علم النفس، تُوفِّي في ولاية مارنيه لاكوكيه، بفرنسا 1931م.
من أهم كتبه ومؤلفاته:
حضارة العرب.
الآراء والمعتقدات
سيكولوجية الجماهير.
السنن النفسية لتطور الأمم.