مرحلة الغربة في العالم الجديد
مرحلة الغربة في العالم الجديد
تم إغلاق المعهد عند وصول الحزب النازي برئاسة (أدولف هتلر) في العام 1933م، فقد كان من المتعذِّر استمرار العمل وذلك للخلفية الماركسية القائم عليها، بالإضافة إلى أن غالبية أعضاء المعهد كانوا من اليهود، ثم شهدت تلك الفترة سفر الكثير من أعضاء المعهد، وعلى رأسهم هوركهايمر، حيث سافر إلى جنيف بسويسرا وافتتح فرعًا للمدرسة هناك ومهَّد لسفر باقي أعضاء المعهد، وتم افتتاح ملحقين للمعهد في باريس ولندن وتولى رئاستهما أعضاء المعهد مثل “برغسون” و”هالبواش”، لكن ما لبث أن طال النفوذ النازي أراضي سويسرا، فلم يبقَ أمامهم سبيل إلا السفر إلى الولايات المتحدة الأمريكية، ليؤسسوا المدرسة في نيويورك تحت اسم “المدرسة الجديدة للبحث الاجتماعي” في الحرم الجامعي لجامعة كولومبيا، وذلك في عام 1934.
أثرت الهجرة إلى العالم الجديد في نشاطات المعهد وإنتاجه الفكري، فمع انتهاء الحرب العالمية الثانية بدأوا تحليلًا جذريًّا للمجتمع الرأسمالي واهتموا بعدة قضايا أهمها السيطرة الشاملة والقضاء على قيمة الفردية والقهر التقني، وغيرها، إلا أن الخبرة التي اكتسبوها في المجتمع الأمريكي قد أثرت في طبيعة أفكارهم وتصوراتهم ومن ثَمَّ آرائهم وتحليلاتهم، نتيجة اختلاف البيئة الرأسمالية التي اضطروا إلى العيش فيها عن البيئة الماركسية التي نشؤوا على أفكارها.
شكَّل إنتاج المعهد في فترة الثلاثينيات والأربعينيات والخمسينيات، والتي تمثل سنوات المنفى بالنسبة لهم، ما يمكن الاصطلاح عليه اليوم باسم “النظرية النقدية، وفي مقدمتها أبحاث هوركهايمر عن “النظرية التقليدية والنظرية النقدية” وماركوز عن “الفلسفة والدراسة النقدية” والمفكر الشهير إيريك فروم في كتابه “الخوف من الحرية” الذي أصدره عام 1944م، والجدير بالذكر أن هذه الأبحاث وغيرها من إسهامات رواد المدرسة كانت تلاقي صدًى واسعًا واستقبالًا حارًّا من الأكاديميات الأمريكية والإنجليزية، وبعد سقوط النازية عاد هوركهايمر إلى فرانكفورت وأعاد افتتاح المعهد عام 1950م.
الفكرة من كتاب مدرسة فرانكفورت.. دراسة في نشأتها وتياراتها النقدية واضمحلالها
تحاول المؤلفة في هذا الكتاب تتبُّع أصول واتجاهات ما عُرِفَ بـ”مدرسة فرانكفورت” التي شكلت علامة فارقة في نقد الحداثة وتفكيك أبنيتها الفكرية، والتي امتد فكرها وأثرها لعقود طويلة في القرن العشرين، وأيضًا الخلل الذي اعترى البنية الفكرية للمدرسة وأدى إلى خفوت نجمها.
مؤلف كتاب مدرسة فرانكفورت.. دراسة في نشأتها وتياراتها النقدية واضمحلالها
الدكتورة ثريا بن مسميَّة، أستاذ فلسفة الجماليات بالعهد العالي لأصول الدين بجامعة الزيتونة التونسية، وعضو الجمعية التونسية للدراسات الصوفية، شاركت في العديد من المؤتمرات العلمية داخل تونس وخارجها، لها العديد من الأبحاث والدراسات مثل “أشكال التجريد في فن الرسم الحديث”، و”جدل المفارقة”.