مرتبة الفضيلة
مرتبة الفضيلة
بعد الحديث عن الحقوق والواجبات، نأتي إلى مرتبة الشرف في الأعمال وهي الفضيلة، وهي كلمة مأخوذة من كلمة فضل أي الزيادة، ومعناها: الخلق الطيب، وتتميَّز عن الواجب في أنها صفة نفسية، بينما الواجب عمل خارجي، وتختلف فضائل الأعمال وأولويتها من بلد إلى آخر، ومن عصر إلى آخر، فالبلد الذي به حروب يُعظِّم فضيلة الشجاعة، والبلد الفقير يميل إلى فضيلة الإحسان والصدقة.
وقد اختلف الفلاسفة في تقسيم الفضيلة، فذهب سُقراط إلى أن الفضيلة هي المعرفة فقط، فبمعرفتنا الخير والشر تتحقَّق الفضائل وتسود، وهذا تعريف خاطئ لأن التطبيق العملي يقتضي الإرادة أيضًا وليس مجرد المعرفة، أمَّا أفلاطون فيرى أن الإنسان يتمثل في ثلاث قُوى إذا اعتدلت نشأت عنها الفضائل، وهذه القوى هي القوة العاقلة التي إذا اعتدلت أنتجت الحكمة، والقوة الغضبية التي تُنتج الشجاعة، وقوة الشهوة التي تُنتج العفة، وآخر الفلاسفة أرسطو رأى أن أساس الفضائل هو خضوع الشهوات للعقل، وأن كل فضيلة هي وسط بين رذيلتين فيما يُعرف بنظرية الأوساط، ولكن واقع التطبيق العملي لا يُوافق ذلك دائمًا، وذهب آخرون إلى تقسيم الفضائل إلى فضائل شخصية تخصُّ حياة الفرد وقوامها، وأخرى اجتماعية يقوم عليها وفاقه مع أفراد المجتمع، وكلا النوعين يقوم على الآخر.
وهناك طرق عديدة لغرس الفضائل، تبدأ بتنشئة الطفل على العادات الصالحة وتنمية ذلك في نفسه، ثم القدوة الصالحة التي قد تتوافر عن طريق الصداقة، وقراءة سير الأبطال ورجال الأخلاق والاتعاظ بهم، ومما يُعين أيضًا على غرس الفضائل هو دراسة علم الأخلاق، وفهم أسس الأعمال وحدود حقوق الفرد وواجباته.
ولخدمة التطبيق العملي، تحدَّث الكاتب عن عدَّة فضائل في شيءٍ من التفصيل، كالصدق الذي عدَّه أساسًا من أسس الفضائل وعنوانًا لرقي الأمم، والشجاعة التي تعتمد على ضبط النفس والقوة وتشمل الشجاعة الأدبية، والعفة والاعتدال، والزهد وعكسه الإفراط في الشهوات، وضبط النفس عن الغضب والشهوات والاسترسال في الفكر دون تحديد الأولويات، والعدل ومهارة فصله عن الرحمة والإحسان، والمساواة في الحريات، والاعتماد على النفس والاستقلال في الرأي وغيرها من طرق يمكن اكتسابها.
الفكرة من كتاب كتاب الأخلاق
هذا الكتاب هو مشروع تربوي مُتكامل يُوجِّه كل المُواطنين، الأب والابن؛ المعلم والمتعلم، إلى المنهج السليم للأخلاق الحسنة، ويقدِّم شرحًا مُبسَّطًا لماهية علم الأخلاق وأسسه ومبادئه، ومقاييسه التي يُقاس بها، ويُشعل الهمم للعمل واكتساب الفضيلة بصورة عملية يمكن الاستفادة منها بعيدًا عن الجهة النظرية التي تخصُّ الفلاسفة.
مؤلف كتاب كتاب الأخلاق
أحمد أمين: كاتب وأديب ومفكر مصري وُلد في القاهرة وتدرَّج في تعليمه من الكُتَّاب إلى الأزهر حتى وصل مدرسة القضاء الشرعي ليعمل بعدها قاضيًا، ثم عمل مُدرسًا في كلية الآداب جامعة القاهرة بمشورة طه حسين حتى عُيِّن عميدًا لها، وأنشأ مع زملائه “لجنة التأليف والترجمة والنشر”، ومجلتي “الرسالة” و”الثقافة”، واشتهر بمؤلفاته في أبواب التربية والفكر والإصلاح مثل: كتاب “علمتني الحياة”، و”إلى ولدي”، وله سلسلة كتب تأريخية مشهورة عن الإسلام هي: “فجر الإسلام”، و”ضحى الإسلام”، و”ظهر الإسلام”.