مراقبة الذات
مراقبة الذات
إن الإنسان لا يمكن أن يعرف نفسه، ولكنه يستطيع أن يعرف حدود نفسه حين تلتقي ما حولها، فالإنسان بذلك يعرف الفواصل بينه وبين غيره فلا يتخطاها.
ومما عرفه العقاد من نفسه أنه يثق بها ويعتمد عليها، وأنه من أعجز الناس عن رفع حاجز واحد يقام بينه وبين إنسان، وأنه ضعيفٌ أمام قوة العادة فلا يغير عاداته إلا بصعوبة، وأنه مهما حاول إرضاء الساخطين عليه فلن يظفر بغير السخط، وأنه يكره الهزيمة ولا يحب النصر إلا من جهة كراهية الهزيمة، وكل هذه في نظره حدود لنفسه يعرفها، ولكنه لا يعرف نفسه التي تحيط بها هذه الحدود.
ومما يعرفه العقاد عن نفسه أنه كان شيخًا في شبابه، بل في طفولته الأولى، كان يتخلَّق بأخلاق الكهول، ويتصرَّف تصرُّف الشيوخ وهو بعد لا يزال في أطوار الصبا، وقد لازمه هذا في كل مراحل حياته، وإن كان يرى أن مقياس الشباب الصحيح هو النهم إلى المعرفة، وما دام هذا الميزان لا يختل فهو لا يزال في فتوة وشباب.
والعقاد، كما يرى نفسه، رجل قد شقَّ طريقه للنجاح، فبعد أن كان مولعًا بالجندية يريد أن يرقى إلى أعلى الرتب العسكرية، وبعد أن كان مولعًا بالزراعة وعلوم الحيوان ويريد أن يتم الدراسة في كلية الزراعة، اتجه إلى الأدب وأدرك أنه لم يُخلق لغيره، وسلك طريقه إلى النجاح في هذا المضمار، وحين يُسأل السؤال المعهود: هل نجحت؟ فإنه يرى أنه نجح فيما قصد إليه، لأنه قصد إلى العمل بالقلم، ووصل في هذا العمل إلى نتيجة يحمدها كل أديب لنفسه وكل قارئ لأديبه.
الفكرة من كتاب أنا
يبدو العقاد في نظر الكثيرين جبارًا وحادًّا مع من يخالفه، ويظن الناس به صلابة لم تُعهد في عالم الأدب، وما أكثر ما يرميه الناس بالعزلة والانطواء وعدم فَهم واقع الحياة لقلة اختلاطه بها ولطول ما عايش الكتب، ولكنه في هذه السيرة الذاتية يكشف عن جانب من حياته الخاصة، يكشف عن طفولته وعن طباعه وأخلاقه، ويزيح الستار عن فلسفته في الحياة والحب والقراءة والكتابة، ويتكلَّم عن نفسه كما يراها هو لا كما يراها الناس.
مؤلف كتاب أنا
عباس محمود العقاد: أديب وشاعر ومفكر وفيلسوف وسياسي وصحفي، ولد في محافظة أسوان في الثامن والعشرين من شهر يونيو لعام 1889م، وتلقى التعليم الابتدائي الذي اكتفى به عن غيره من مستويات التعليم.
حصل على عضوية المجمع اللغوي وتم تكريمه كثيرًا، ومنحه الرئيس جمال عبد الناصر عام 1959 جائزة الدولة التقديرية ويشاع أنه رفض تسلُّمها، كما منحته جامعة القاهرة درجة الدكتوراه الفخرية فرفضها.
وقد اقترن اسم العقاد بكثير من المعارك الأدبية والفكرية مع كبار شعراء وأدباء عصره، وخاض كذلك العديد من المعارك السياسية، ولكن ذلك كله لم يمنعه أن يكون مؤلفًا مُكثرًا ومجيدًا فتجاوزت مؤلفاته المائة، ومن أشهر كتبه:
العبقريات.
الفلسفة القرآنية.
ساعات بين الكتب.
أشتات في اللغة والأدب.
التفكير فريضة إسلامية.