مراحل تطوُّر الحركة الجماهيرية
مراحل تطوُّر الحركة الجماهيرية
تمرُّ الحركة الجماهيرية بثلاث مراحل أساسية، فيبدأها رجال الكلمة ويدخلها المتطرِّفون إلى حيز التنفيذ ويحافظ على بقائها الرجال العمليون، فالمرحلة الأولى مرحلة رجال الكلمة، وهم قلة مثقفة متعلِّمة يهيئون العوامل والظروف ويستخدمون الوسائل المختلفة من الدعاية والإلهام لإقناع الجماهير وتحريكهم، عن طريقة انتقاد المؤسسات وزعزعة استقرارها أو تجويع العامة إلى الإيمان أو مهاجمة الصفوة.
يهدف رجال الكلمة إلى الحصول على امتيازات معنوية ومادية، مثل تسليط دائرة الاهتمام عليهم إرضاءً لغرورهم، والاعتراف بعبقريتهم وتمييزهم عن محيطهم، وتقديم فرص للترقِّي والمشاركة في صناعة القرار.
المرحلة الثانية مرحلة المتطرِّفين، وهم الذين يستغلُّون الأثر الذي أحرزه رجال الكلمة في نفوس الجماهير، ويقودون الحركة في أرض الواقع ويضعون أهدافها، ويستهدفون القيام بتغيير جذري في نمط الحياة، يلاحظ أن تلك النوعية قد فشلت في تحقيق طموحات أدبية وفنية مثل أغلب قادة النازية، وتمتُّعهم بعدوانية مفرطة مدمِّرة، لا ترى أي معنى في الكون، وتعدُّ العدمية الفلسفية نتيجة نهائية لكل شيء.
المرحلة الأخيرة هي مرحلة الرجال العمليين، بعد وصول الحركة إلى امتلاك مقاليد القرار السياسي والاجتماعي بعد إسقاطها للنظام القديم، يجب أن تتحوَّل إلى مؤسسات جديدة، وهنا يأتي العمليون لتكوينها، ويكون هدفهم الحفاظ على بقاء الحركة الجماهيرية، ولكن في صورة أخرى مستقرة منتظمة غير تلك النزعة المتطرِّفة الانتحارية التي أوصلتهم إلى الحكم.
سرعان ما تتحوَّل هذه المؤسسات إلى كيانات مقدَّسة تهدف إلى السيطرة على العالم من جديد والتحكُّم فيه لا تغييره، وتعتمد على القانون والتدريب المستمر للأفراد، وتستعين بالقمع وتولُّد الخوف لكي تنتزع من ذاكرة أتباعها القدامى ذكريات الثورة، حتى لو وصل الأمر إلى إبادتهم، وتمثِّل هذه المؤسسات وسيلة مثالية للطامحين في تحقيق مكاسب مادية وسياسية والحصول على امتيازات مختلفة، عبر الصعود فوق حركة التغيير في الوقت الذي يضمنون فيه أنها ستفوز بلا محالة.
الفكرة من كتاب المؤمن الصادق (أفكار حول طبيعة الحركات الجماهيرية)
الحركات الجماهيرية هي منعشات لمجتمع مريض هزيل، وضرورة لخلق التغيير ومتابعة صيرورة التاريخ، ولكن يوجد على الجانب الآخر دائمًا الإرهاب أو التطرُّف، وهي ثنائية متوالدة كلٌّ من طرفيها يؤدي إلى الآخر، والنتيجة دائمًا ما تكون كارثية، فبين العنف والتدمير والسيطرة والسادية يتوه الأفراد ويفقدون ذواتهم، يصبحون عُزَّلًا أمام العالم الهائل ويشعرون بالعجز الشديد، ما يزيد من رغبتهم في الذوبان في كيان مقدس أو الانضمام إلى حركة جماهيرية، فما العوامل التي تجذبهم إلى الحركات الجماهيرية؟ ما الخصائص الأساسية التي تشترك فيها جميع الحركات الجماهيرية على اختلافها؟ من هم أفرادها، وما المبادئ التي يعتنقونها؟ وما المراحل المختلفة التي تمر بها وسمات كل مرحلة؟
مؤلف كتاب المؤمن الصادق (أفكار حول طبيعة الحركات الجماهيرية)
إريك هوفر: ولد الفيلسوف الأمريكي عام 1902م في نيويورك، عمل مزارعًا ثم منقِّبًا عن الذهب، وانتهى به الحال موظفًا بجامعة كاليفورنيا، له مؤلفات متعدِّدة في علم النفس الاجتماعي لدرجة أنه لُقِّب بفيلسوف الأخلاقيات الاجتماعية، ومن أشهرها كتابا: “المؤمن الصادق (أفكار حول طبيعة الحركات الجماهيرية)”، و”محنة التغيير”.
حصل على وسام الحرية الأمريكي عام 1983م وتُوفِّي بنفس العام، وأُسِّسَت جائزة باسمه في عام 2001م تكريمًا له.
معلومات عن المترجم:
غازي عبدالرحمن القصيبي: وُلِد الدكتور غازي القصيبي عام 1940 في الأحساء بالمملكة العربية السعودية، وهو أديب وسياسي ودبلوماسي سعودي شهير، عمل في عدة وظائف حكومية ودبلوماسية، وزيرًا للصحة والعمل، وسفيرًا للمملكة العربية السعودية في كلٍّ من بريطانيا والبحرين، حصل على شهادة الدكتوراه في العلاقات الدولية من جامعة لندن، كما أن لديه عدة مساهمات أدبية عديدة في مجالي الرواية والشعر، أشهرها رواية “شقة الحرية”، وديوان شعر “للشهداء”.
كما أن له إسهامات صحافية متنوِّعة أشهرها سلسلة مقالات “عين على العاصفة”، والتي كُتِبَت في جريدة الشرق الأوسط إبان حرب الخليج الثانية.