مرآة الكف
لنبدأ بالآلة الأولى لأدوات الاستعمار في الصراع، وهي مرآة الكف أو (مرآة الحرمان)، فبالنسبة إلى موضوع المرآة فهو فكرة نريد أن نعطي عنها انطباعًا معينًا، وبما أن الفكرة لا تُرى فيجب ربطها باسم صاحبها، وأما المرآة فهي التي نسلِّط من خلالها ما نريد ونعكسه هو مثلًا اسم مجلة شهيرة لها تاريخ مشرف من الكفاح تمنح المرآة الضمان الأدبي، وأما المصابيح النفسية العاكسة فهي ما يراد فهمه وربط اسم المؤلف به.
فمثلًا: تم تقديم كتاب مالك بن نبي “مستقبل الإسلام” في افتتاحية مجلة “العروة الوثقى” صاحبة التاريخ المشرف من الكفاح والنضال في عدد تجميعي منها؛ على أن الكاتب هو مؤلف فرنسي اعتنق الإسلام، وهو مهتم بقضاياه ومدافع عنه، مع ذكر مؤلفين آخرين فرنسيين كمصباحين ذهنيين، وهما ليوبولد فايس وحيدر آبامات، فالمجلة بقيمتها الوجدانية في النفوس أصبحت هي الضمان الأدبي لما سيكتب بها، والرسالة الموجهة بخفاء أن الكاتب فرنسي، مع ربط اسمه بعلمين فرنسيين مشهورين لتوجيه نفسية القارئ وفهمه إلى مساحة مقصودة تنجح الأداة فيها في عملية الحرمان النفسي لأفكار المكافح، وتحرمه من وصولها إلى ضمير الشعب فتكون حاجزًا نفسيًّا لأن الكاتب فرنسي وليس عربيًّا، وكل ما قد تنجح في عمله هي أن تصل أفكاره إلى العقول لا الضمائر، مع أن الحقيقة هي أن الكاتب عربي مسلم أبًا عن جد.
وللأسف فالقارئ المسلم لا يمتلك القدرة النقدية اللازمة لبناء أحكامه على أساس عقلي سليم، وما سيحرِّكه هو الانطباع النفسي بشكل أساسي، وستكون مرآة الحرمان قد نجحت في هدفها بشكل إرادي أو غير إرادي.
الفكرة من كتاب الصراع الفكري في البلاد المستعمرة
تبدأ القصَّة حين دخل الاستعمار البلاد الإسلامية، نشأ الصراع في كل الميادين وبدأت فصول المقاومة ومنها الصراع الفكري الذي يجهل الشعب حقيقته ولعلَّه لا يعلم بوجوده أصلًا، ولكنه يعيش نتائجه السلبية، يجهل قيمة الفكرة في مصير المجتمعات ويجهل دقة الخطط التي ترسم للتحكُّم في مصير الشعوب المتخلِّفة عن طريق أفكارها.
يضيء لنا مالك بن نبي هذا الموضوع من الداخل في ظل تجربته الشخصية لنتعرَّف إلى حقيقة هذا النوع من الصراع وكيف تتم إدارته، حتى لا يمكننا مهما بلغنا من تجريد أن نفصل مغامرة (فكرة) عن مغامرة (صاحبها)، وكل ما يتمناه أن تقوم في بلادنا رابطة من المثقفين، لكشف هجمات الاستعمار على الجبهة الفكرية، حتى لا تبقى الأفكار معرضة لتلك الهجمات دون نجدة أو مدد، وحتى يفيق المجتمع من سباته.
مؤلف كتاب الصراع الفكري في البلاد المستعمرة
مالك بن نبي Malek Bennabi مفكِّر وفيلسوف ومهندس جزائري، ولد في ١ يناير ١٩٠٥م، وتوفِّي في ٣١ أكتوبر ١٩٧٣م، ويُعدُّ أحد رُوَّاد النهضة الفكرية الإسلامية في القرن العشرين، ويُمكن اعتباره امتدَادًا لمدرسة ابن خلدون، ويُعدُّ من أكثر المفكرين المعاصرين الذين نبَّهوا لضرورة العناية بمشكلات الحضارة، وترك أثرًا كبيرًا فيها.
من أهم كتبه: “مشكلات الحضارة وشروط النهضة”، و”مشكلة الحضارة في العالم الإسلامي”، و”ميلاد مجتمع”، و”الظاهرة القرآنية”، و”مشكلة الثقافة”، وغيرها الكثير.