مدن على خط النار

مدن على خط النار
في مدينة فوجا كان يعيش 20 ألف مسلم أحرقت منازلهم وهم بداخلها ومن حاول الفرار ألقي القبض عليه وذبح، كما دمرت جميع مساجدها وكانت سبعة عشر مسجدًا، ورُفعت الأعلام الصربية فوق مآذنها بينما دوت من مكبراتها أغانٍ خليعة بثها الصرب.

وفي مدينة فيشكراد صوبت المدفعية نيرانها نحو سبعة عشر ألف مسلم من سكانها، وبعد انتهاء المذبحة جُمِّع الناجون في معسكرات اعتقال وبُدِئ بالعلماء والدعاة فأعدموا ومُثِّل بجثثهم ثم لحق بهم باقي المعتقلين، وعندما تجمع المنكوبون من أنحاء البلاد في مدينة كوارشدة -التي ضمت عشرين ألف لاجئ إلى جانب عشرين آخرين من سكانها- قصفها الصرب لمدة شهر كامل دون انقطاع.
أما المدن التي اختارت المقاومة مثل مدينة كالينوفيك فإنها حوصرت ومُنعت عنها إمدادات الإغاثة وسُرقت متاجرها في حملات عسكرية ليلية كما خُطف أئمة مساجدها ولم يُعرف مصيرهم، مدينة أخرى اختارت التسليم هي مدينة براتوناس فلم تكن أحسن حالًا من سابقتها إذ غُدر بسكانها وكانوا 25 ألفًا استشهدوا عن بكرة أبيهم ودُفنوا في مقابر جماعية، وأُجبرت الأمهات على شرب دماء أطفالهن القتلى وكالعادة أُعدم أئمة المساجد على مرأى من العامة!
لقد تكررت القصص نفسها في كل مدينة وكل قرية دخلها الصرب، وتعاملوا بوحشية مفرطة لا تتكرر كثيرًا في التاريخ، فبعد ثمانية وسبعين يومًا فقط من بدء العدوان أُجري إحصاء عن نتائج الحرب وكان صادمًا، إذ بلغ عدد الشهداء 140 ألف شهيد ومثلهم من الجرحى، وبلغ عدد المعتقلين المسلمين مئة ألف مسلم بينما وصل عدد اللاجئين إلى 800 ألف لاجئ داخل البوسنة و700 ألف خارجها واغتصبت 14 ألف فتاة وسيدة مسلمة.
الفكرة من كتاب البوسنة والهرسك: نكبة المسلمين المعاصرة
كأننا في عام 1995م والحرب على أشدها في أرض غالية عُبد فيها الله سبحانه، كأننا نستمع لمراسل حرب عاش أجواءها وهو يمدنا -بعد بضع سنوات من اندلاعها- بتفاصيل المجازر وأعداد الشهداء وأحوال النازحين، نتابع معه أحوال تلك البلاد التي بلغت القاع وظُن أنها أندلس جديدة، يصيبنا اليأس، نتحسر، نبكي على انحداراتنا التي لم تعد تُحصى ثم نبتهج.. هناك أمل يلوح في الأفق، المقاومة بخير، وهي تدحر العدو عن أراضي الإسلام شيئًا فشيئًا، المجتمع الدولي مرتبك، والخصمان عنيدان، وخطة السلام المقترَحة تبدو مجحفة لأصحاب الأرض، فإلى أين تسير الأمور؟ هل ستضع الحرب أوزارها أم إن المجازر ستستمر؟
مؤلف كتاب البوسنة والهرسك: نكبة المسلمين المعاصرة
محمود بيومي: كاتب وصحفي مصري ولد عام 1946م، درس اللغة العربية في كلية الآداب جامعة عين شمس، وعمل رئيسًا لتحرير مجلة العربي في الفترة من 1992م إلى 2000م، وقد ألف عدة كتب منها:
اعتقال شعب: مأساة المسلمين في آسيا الوسطى.
الإسلام في خطر.