مخاوف الحياة الحديثة السائلة
مخاوف الحياة الحديثة السائلة
السلام مرتبط بالعدل ارتباطًا وثيقًا، وفي غيابهما يحل الخوف بديلًا، وقد أسهمت وسائل التواصل الاجتماعي في تغذية الشعور بغياب العدل، كونها تعرض باستمرار الفوارق الطبقية بين البيئات الاجتماعية المتباينة المختلفة، وفي عصر العولمة يخضع الجميع للتأثيرات، فإن أي مشكلة في أقصى جزء في العالم يسمع صداها باقيه، لا أمان لأحد مهما كان بعيدًا.
إذا سيطر الخوف على الأفراد فإنهم يبحثون مسعورين عمّن يقدم لهم الأمان بأي ثمن، حتى لو كان المقابل هو الحرية، مثلما حدث في العديد من الأنظمة الشمولية، التي استغل قادتها الوضع واتخذوا الخوف رأس مال لهم، وأشاعوا مفردات السلامة والأمان والحماية، والوعود السياسية المطمئنة، هذا ما يفسر قبول المجتمعات حتى الديمقراطية منها زيادة الإجراءات الأمنية.
تعتمد السياسات الأمنية بشكل أساسي، لتبرير تقييدها للحريات، على حربها ضد الإرهاب، وهو مصطلح ضبابي يتم استغلاله في كثير من الأحيان، كما أن الإجراءات الأمنية الشديدة تسهم في تحقيق أهداف الإرهاب، عبر بث الخوف وتضخيمه في نفوس الأفراد، بصورة لا يحلم بها الإرهاب في ظل فقر إمكانياته مقارنة بالدول.
كما هو واضح فإن تلك المشكلات هي مشكلات عولمية الأسباب خارج نطاق تحكم الدول، لا تنفع لحلها سياسات وحلول محلية، فماذا يفعل الفرد البسيط أمام تلك القوى الغامضة التي تؤثر في حياته الاقتصادية والأمنية دون أن يملك حق الرد، ففي رد فعل يتجه إلى دائرة تأثيره وينكفئ عليها، مصاحبًا هوسه بالحياة الصحية وعاداتها من نظام غذائي محكم وتمارين قاسية، مفرغًا خوفه وفزعه بممارسة صورة من صور القتال.
الفكرة من كتاب الأزمنة السائلة: العيش في زمن اللايقين
يعيش عالمنا الحديث حالة استثنائية في تاريخ وجودنا البشري، بسبب التحولات الكبيرة التي أصابت البنية الاجتماعية والمرجعيات الأساسية التي استندت إليها البشرية لسنوات، فكل القيم والأطر الصلبة المتماسكة ذات المعالم الواضحة تحولت إلى سوائل تتشكل حسب حاجة القوى العملاقة المتصارعة في زمن العولمة.
ما تلك التحولات الرئيسة؟ وما أثر ذلك في الفرد البسيط في حياته اليومية؟ كيف جعلت تلك التحولات علاقاته هشة ومخاوفه كبيرة حتى مع زيادة التكنولوجيا وإجراءات الأمان، وما الذي يغذي حالة اللا يقين المسيطرة على الأفكار؟ وكيف حولنا النظام الاقتصادي الذي بنيناه إلى مجرد أشياء؟ كل ذلك هو ما يحاول كتابنا الإجابة عنه!
مؤلف كتاب الأزمنة السائلة: العيش في زمن اللايقين
زيجمونت باومان، ولد في عام 1925م ببولندا لأبوين يهوديين، وهو بروفيسور في علم الاجتماع من جامعة ليدز، استقر في انجلترا منذ عام 1971م بعد طرده من بلاده بسبب آرائه عن الهولوكوست، تناول في تحليلاته الاستهلاكية والمادية قضايا الحداثة وما بعدها، ووقف أمام حركة العولمة، وعارض وجود إسرائيل وانتقدها علنًا، ذاع صيته في التسعينيات، وتوفي عام 2017م.
من أهم أعماله ” الثقافة السائلة” و”الحب السائل: عن هشاشة العلاقات الإنسانية” و“الأزمنة السائلة: العيش في زمن اللا يقين”
معلومات عن المترجم:
حجاج أبو جبر، أستاذ النقد المصري، ولد في عام 1977م بالجيزة، درس الأدب الإنجليزي وحصل على الدكتوراه من جامعة القاهرة، له العديد من الإسهامات المقالية النقدية مثل “الحداثة في خطاب عبد الوهاب المسيري” وسيميولوجيا العدد” ، وترجم كتبًا مثل “عن الله والإنسان” و”الحب السائل”.