مخاطر الديمقراطية
مخاطر الديمقراطية
إن المُتنفَّس الذي تمنحه المجتمعات الديمُقراطية لمُواطنيها يُفضي بطبيعة الحال إلى حرية التعبير والوعي بالذات والتنوُّع الذي ينتج عنه الابتكار والإبداع الذي تميل إليه النفس البشرية، ومع ذلك هناك من يظن بأن المجتمع الديمُقراطي يحرم مواطنيه حق التميُّز وينزع دائمًا إلى الوسطيَّة فحسب، ونردُّ على ذلك بحقيقة أن المجتمعات الديمُقراطية تسعى لإذابة الفوارق الشديدة بين الطبقات المجتمعية حتى يُصبح مُتجانِسًا وليس إلى منع مواطنيها حق التميُّز، وهي بذلك تمنحهم كمًّا أكبر من خبرات الحياة.
بناءً على تلك القِيم الرفيعة التي تقدمها الديمُقراطية الليبرالية، يعتقد الكثير من الليبراليين الغربيين بأنَّ هذه القيم بعيدة عن أيدي الشعوب الهمجية الفقيرة، ولكن الكاتب يرى أن سبب تقاعس هذه الشعوب عن المطالبة بتحقيق تلك القيم، هو وجود حاجات أكثر إلحاحًا من حرية التعبير والوعي، كالصحة والتعليم وغيرهما، ولكن نقول لهم إن الليبرالية غير عاجزة عن توفير تلك الحاجات، بل إنها عن طريق صناعة الديمُقراطيين وفتح باب الحُريَّات، تفتحُ المجال للجبهات الإصلاحية لتُثبت وجودها، وتصنعُ الفُرص لكل أطراف المجتمع للمُشاركة في الإصلاح، بدلًا من أن تستأثر فئة -وإن كانت مُصلِحة- بكل الفُرص.
وليس الطريق إلى الديمُقراطية كما لو أنه يخلو من المخاطر، فإحدى أهم المخاطر المُحيطة بالمجتمع الديمُقراطي هي عدم وجود أجوبة نهائية لأي شيء، وذلك لأن الديمُقراطية هي تجسيد للمبدأ العلمي الذي يقول إن التساؤل ينبغي أن يظل مفتوحًا دائمًا، لا أن تعتقد بشكل جازم في أفكار ومؤسسات زائلة، وهذا يؤدي إلى خلق مساحة من الاختلاف والتنافس الصحِّي الذي يقوم على فرضيَّة إحسان النية في كُل الجبهات، وافتراض عقلانية الطرف الآخر ما لم تُفصح أقواله وأفعاله عن عكس ذلك، وهذا يخلق في نهاية الأمر مشاعر ديمُقراطية تؤول إلى تمتُّع جميع أفراد المُجتمع الإنساني بحرية الطرح والمُناقشة، لا أن ينقسم إلى مُستغلِّين ومُستغَلين.
الفكرة من كتاب فقه الديمقراطية
يعرِض هذا الكتاب معنى الديمقراطية وأبجديَّتها الأولى كما وضعها معلِّمو الديمقراطية الكبار، من أمثال جون ستيوارت مل، وجون ديوي، وشارلس فرانكل، وكارل بوبر، فيقول إن الديمقراطية هي المُناخ الصحي للنبتة البشرية المُبدعة، التي تميل بطبيعتها إلى الخلق والابتكار لا التكرار أو التقليد الميِّت، وهي الخيط النفيس الذي ينسج رداء الحرية، الرداء الذي تسعى كل الشعوب السوية إلى ارتدائه، بعيدًا عن جُبَّة التبعيَّة العمياء أو اليوتوبيا اللامنطقية.
مؤلف كتاب فقه الديمقراطية
الدكتور عادل مُصطفى: كاتب وطبيب نفسي مصري، حصل على بكالوريوس الطب والجراحة في يونيو 1975، ثم التحق بعد ذلك بكلية الآداب قسم الفلسفة ليحصل على درجة الليسانس بتقدير ممتاز مع مرتبة الشرف، وكان الأول على دفعته طوال سنوات الدراسة، كما حصل على ماجستير الأمراض العصبية والنفسية من كلية الطب جامعة القاهرة عام 1986، وكنتيجة منطقية لهذه الدرجات العلمية المرموقة قدَّم للمكتبة العربية ثلاثين كتابًا في الفلسفة والأدب وعلم النفس والطب النفسي، بعضها نتاج أبحاثه ودراساته مثل: “العولمة من زاوية سيكولوجية”، و”المغالطات المنطقية وفهم الفهم.. مدخل إلى الهرمنيوطيقا”، وبعضها الآخر ترجمات لكتب فلسفية عالمية.
حاز جائزة أندريه لالاند في الفلسفة، وجائزة الدولة التشجيعية في الفلسفة عام 2005.