محمد (عليه الصلاة والسلام)
محمد (عليه الصلاة والسلام)
إن الصورة التي يؤلَّه فيها البطل قد ذهبت بلا عودة وبدأت حقبة أخرى حيث لا يرى الناس في بطلهم إلهًا، كما فعل الوثنيون، بل رسولًا يوحى إليه من قبل الإله، ومن العار على أي فرد متمدين من أبناء هذا العصر أن يصغي لما يظن أن محمدًا (عليه الصلاة والسلام) كاذب، وأنه مخادع ومزوِّر، فهذه الرسالة التي أدَّاها ما زالت سراجًا منيرًا مدة اثني عشر قرنًا لنحو مائتي مليون إنسان، وقد كان الصدق أساسه وأساس كل ما به من فضلٍ ومحمدة، وكان باعثه الخير وحسن الطوية.
كان محمد (عليه الصلاة والسلام) صادق النية جادًّا، مخلصًا قبل أي شيء، بل الإخلاص أول خواص الرجل العظيم، وأول أسباب عظمته، فهو لا يفخر بإخلاصه أبدًا، ولا يسأل نفسه أهي مخلصة، أم لا؟ يرى الوجود حقيقة كبرى تروِّعه وتهوله حقيقتها، حيث لا يستطيع الهروب، ويرى الموت حقًّا كالحياة، ويرى الكون مدهشًا مخيفًا، وهذه الحقيقة وإن فارقت معظم الناس لا تفارقه، وقوله ليس مأخوذًا من رجل آخر، ولكن صادر من لباب حقائق الأشياء، فهو رسول مبعوث من الأبدية المجهولة برسالة إلينا.
وقد كان العرب أمة وثنية يفضل أفرادها قرض الشعر ويقيمون أسواقًا له، ولم يكُ يؤلِّف بينهم حلف علني إلا التقاؤهم بالكعبة حيث يربطهم الدم واللغة، وعاشوا دهورًا طوالًا هكذا خاملي الذكر غامضي الشأن، حتى أتى محمد (عليه الصلاة والسلام)، وهو الذي لم يتلقَّ دروسًا على يد أستاذٍ مطلقًا، ولم يكن يعرف القراءة أو الكتابة، ولم ينهل من علم غيره، فكل أحواله تدلُّ على أن ما أتى به ليس من اختراعه، أو نقلًا عن غيره، بل هو وحي ألقي إليه.
فرفع (عليه الصلاة والسلام) من شأنهم بين الأمم وخلد ذكرهم، فقد أتى بالإسلام وهو تسليم الأمر لله والإذعان والسكون إليه والتوكل عليه واليقين بأن القوة في الخضوع لحكمته والرضا بقسمته أيًّا كانت في الدنيا أو في الآخرة. وقد اختلط هذا الدين بالدم والعروق وسار بسرعة شديدة زلزلت أركان العالم وغيَّرت خريطته، فأزال الملل الكاذبة والنحل الباطلة وأتى بالحق الخالص.
الفكرة من كتاب الأبطال
“لقد أصبح من العار على أي فرد متمدين من أبناء هذا العصر أن يصغي إلى ما يظن من أن دين الإسلام كذب وأن محمدًا مخادع مزور، وآن لنا أن نحارب ما يشاع من مثل هذه الأقوال السخيفة المخجلة”..
يحاول توماس كارليل في كتابه هذا شرح معنى عبادة البطولة وأسباب تقديس العظماء على مر العصور، فيبدأ بالقدماء وعقيدتهم الوثنية وصولًا إلى وقته المعاصر ضاربًا أمثلة مختلفة بأسلوب بياني بديع.
مؤلف كتاب الأبطال
توماس كارليل Thomas Carlyle: كاتب اسكتلندي وناقد ساخر ومؤرخ، ولد في الرابع من ديسمبر عام 1795 ودرس القانون والأدب الألماني، وتأثَّر بالفلسفة المثالية الألمانية وكتب عن الثورة الفرنسية كتابًا يقع في مجلدين ضخمين عن اضطهاد الفقراء وحقق نجاحًا كبيرًا، وكان بعنوان “تاريخ الثورة الفرنسية”، كما كتب أيضًا “محمد المثل الأعلى”، و”فلسفة الملابس”، وتُوفِّي في 5 فبراير 1881 في لندن.