محاولة لتبييض الوجه!
محاولة لتبييض الوجه!
إن القول بأن “فانون خلقة الرجل الأبيض” يعوزه الدقة لأن الخيار كان متاحًا أمام فانون لينضم إلى النخبة السوداء المنتسِبة إلى الطبقة الوسطى ويحرص الاستعمار الفرنسي على وجودها، لكن شخصية “فانون” ومبادئه وحماسه للعدالة الاجتماعية صنعت منه ثوريًّا متمردًا؛ يرى بوجوب قلب الواقع وحدوث تغيير جذري في بنية المجتمع وعلاقاته لا مجرد تحسينات شخصية، وليس فانون رجل عصابات وجماعات حركية كجيفارا، لأن أثره الأكبر كان في كتاباته وتحليلاته التي لم يُتح لها الانتشار إلا بعد موته، علاوة على مهام سياسية ودبلوماسية رافقتها توجهات عقدية.
عانى “فانون” طوال حياته مرارةَ التمييز، وقد توهم مطلع حياته أن مكانته العلمية وثقافته الواسعة يمكن أن تشفع له عند الرجل الأبيض؛ فرتبته تظل متدنية لأنه زنجي أسمر البشرة! ومن عامله بغير ذلك عدَّه تكرمًا منه! ورغم ذلك، وصل فانون إلى أعلى المستويات العلمية والأكاديمية وارتبط بفرنسية بيضاء، لكن المفارقة المحزنة أن هذا الشعور لم يقتصر على دول أوروبا البيضاء وإنما وجده في قلب القارة السوداء نفسها! لقد ساد الاعتقاد بأن الرجل الغربي المستعمِر مثال السلطة والمكانة والتفوُّق، وأقصى ما يطمح إليه صاحب الأرض الأصلي أن يقارب مستواه ويعبَّ من ثقافته ما استطاع! وكانت الإمبريالية تتعمد إقناع السُّود -بوعي أو بغير وعي- أن عليهم أن يقبلوا المذلة ما داموا سودًا.
لقد ارتبطت صورة الزنجي في أذهان المواطن الغربي بمظهر الوحشية والتفوق الرياضي والفحولة الجنسية، وهو ما يراه مالكوم إكس أسطورة صنعها الغربي نفسه، لكن فانون يحلل منشأ هذه الخرافة بأن الزنجي الأمريكي العاجز عن أي تفوُّق اقتصادي أو اجتماعي يعوض عجزه في الضخامة الجسمية والفحولة الجنسية، بينما يسعى الزنجي الفرنسي والبريطاني للوصول إلى سلطة سياسية واحترام ذاتي؛ فأصبح الأسود يتوق إلى جسم المرأة البيضاء، وظلت المرأة تعاني الشعور بالدونية؛ فكانت الفتاة المولَّدة -الناتجة عن اللونين- تعض بالنواجذ للحفاظ على التقدم الذي أحرزته، وكل هذه الأمور يسميها فانون “عمليات التبييض”، وألف كتاب “بشرة سوداء وأقنعة بيضاء” لتحليل هذه الظاهرة النفسية والاجتماعية.
الفكرة من كتاب فرانز فانون.. سيرة فكرية
إنَّ سيرة فرانز فانون تثير الإعجاب والدهشة، لأنها معروفة لدى الأوروبيين أكثر من سكان العالم الثالث والسُّود الذين تبنى “فانون” مشكلاتهم وناضل لأجلهم، وتبعث سيرته على الألم، لأن الاستعباد والتمييز اللذين حاربهما ما زالا ضاربين بجذورهما في ذلك العالم وإن تحورت أشكال العبودية قليلًا.
في هذا الكتاب يعرض لنا الكاتب والمؤرخ ديفيد كوت سيرة الطبيب والفيلسوف الاجتماعي الفرنسي فرانز فانون، الذي عُرف بنضاله من أجل الحرية وضد التمييز والعنصرية.
مؤلف كتاب فرانز فانون.. سيرة فكرية
ديفيد كوت (David caute): مؤرخ وروائي وصحفي بريطاني، وُلد في الإسكندرية عام 1936، ودرس في أكاديمية إدنبره ثم كلية سانت أنتوني في أكسفورد، شغل “كوت” مناصب أكاديمية عدة وعمل أستاذًا زائرًا في جامعات كولومبيا ونيويورك، ورئيسًا مشاركًا لنقابة الكتاب في بريطانيا العظمى، وزميلًا في الجمعية الملكية للأدب.
من أبرز مؤلفاته:
The Essential Writings of Karl Marx
Under the Skin (The Death of White Rhodesia)
Isaac and Isaiah: The Covert Punishment of a Cold War Heretic
معلومات عن المترجم:
عدنان كيَّالي: كاتب ومترجم، له عدد من المقالات والتراجم منها: موسوعة العناية بالطفل.